يحيا النظام، يعيش النظام
يحيا النظام، يعيش النظاميحيا النظام، يعيش النظام

يحيا النظام، يعيش النظام

أحمد مصطفى

قبل نحو عامين دخلت فترة مريرة لبدء مشوار علاج احتاجه بشدة وكنت أنتظر اقراره للاستخدام منذ سنوات، وحين طرح كان بأسعار غير مسبوقة عشرات أضعاف أغلى دواء موجود من قبل.

لم تكن المرارة بسبب المرض، ولا بسبب غلاء سعر الدواء، ولكن بسبب الانكشاف القاسي على حقيقة نعيها لكن وطأتها علينا تزداد حين نتعرض لها مباشرة وهي أن مهنة الطب و"الشركات" التي تعمل فيها لم تعد "انسانية" بل "شغل سوق".

ونتيجة غلاء السعر، ماطلت شركات التأمين الصحي حيث أعمل في تغطية كلفة علاجي ولم أتمكن من تسجيل حالتي في بلدي التي وفرت حكومتها الدواء بأسعار أقل بكثير عير اتفاق مع الشركة المنتجة.

ولم ينفعني سوى التأمين الصحي العام، الذي يغطي كافة المواطنين، في بريطانيا حيث كنت أعمل وأعيش. ورغم أن الخدمات الصحية العامة في بريطانيا لم تعد كما كنات من قبل، وشابها التدهور إلا أنها لم تفقد ميزتها الأساسية وهي النظام.

وتلك ميزة لو تعلمون عظيمة، فمهما تدهورت الأوضاع يظل النظام حاميا للأساسيات ما يبعث على الاطمئنان من أنه مهما كانت الظروف ستجد من يعتني بك.

فالنظام لا يقل أهمية عن الوضع الاقتصادي، وكانت معاناتي مثالا واضحا بخبرة مباشرة على أن الفقر في بلادي لم يكن سبب عدم قدرتي على العلاج فيها بل البيروقراطية والواسطة. ولا الغنى ساعدني على تلقي العلاج حيث أعيش الآن بسبب محاولة شركات التأمين الصحي "الشطارة" ـ وأغلب الشركات عموما في هذا السياق ـ لتفادي التزاماتها المكلفة.

وفي كلتا الحالتين لم يكن هناك نظام يحمي حقي في العلاج، مثلي مثل أي مريض يحتاج علاجا ـ وكانت تلك ميزة "النظام" في بريطانيا.

في النهاية، وبعد اكثر من عام من المماطلة والتسويف والخداع، بدأت العلاج مطلع العام وهذا السبوع أظهرت الفحوص أنه آتى أوكله وأني بدأت طريق الشفاء.

شاءت الأقدار أن تتزامن نهاية علاجي مع الإعلان عن دواء مشابه تنتجه شركة مصرية بسعر يقل ثلاثين ضعفا عن سعر الدواء الذي تنتجه شركة أمريكية.

نتيجة النظام في بريطانيا تداويت بالعلاج غالي الثمن، لكن ملايين غيري سيستفيدون من الدواء الجديد لقدرتهم على شرائه.

وبالمناسبة، انتاج المادة الفعالة لا يكلف أكثر مما ستتحمله الشركة المصرية (وهو نسبة من سعر كورس العلاج الذي لن يزيد عن 300 دولار) بينما كانت الشركة الأمريكية تستغل المرضى بسرقة عشرات الآلاف منهم ـ وليس هذا ربحا ولا حتى جشعا، بل حقارة ونذالة (وتلك أخف الأوصاف التي يمكنني استخدامها في موقع إخباري محترم).

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com