حروبٌ بلا جنود!
حروبٌ بلا جنود!حروبٌ بلا جنود!

حروبٌ بلا جنود!

تاج الدين عبد الحق

مضى الزمن الذي كانت فيه المخاوف، من منافسة الربوتات، ومحاولات إحلالها محل البشر،  نوعا من النكتة، أو تعبيرا عن خيال علمي، او مجالا من مجالات السخرية والتندر؛ التي برع في تصويرها رسامو الكاركاتير ومنتجو أفلام الكرتون، أو غيرهما من وسائل التعبير المختلفة.

فالأمر يتحول إلى واقع تجسده مخترعات حديثة، ووقائع وتجارب حقيقية في مجالات  كثيرة. وبات الخوف من اختفاء مهن عريقة في سوق العمل واقعا فعليا، بعد أن طالتها يد الأتمتة، ووصلت إليها رياح التغيير.

 ولم يعد شكل ونوع سوق العمل في المستقبل حكرا على كُتّاب الخيال العلمي، بل هاجسا تتصدى له مراكز البحث، والمؤسسات المتخصصة، التي تتسابق اليوم،  لاستشراف التغيرات المحتملة في التخصصات التي تتطلبها السوق، وكيفية التكيف مع هذه المتغيرات.

في هذا السياق، صدر، مؤخرا،  تقرير علمي حول شكل سوق العمل خلال العقدين المقبلين، إذ أظهر التقرير مؤشرات قوية على أن الزيادة السكانية خلال السنوات العشرين المقبلة، لن تكون هي التحدي الوحيد الرئيس  للبطالة، فالتكنولوجيا التي سهلت الكثير من مناحي الحياة، ستكون في مقدمة التحديات التي تفاقم المشكلة، وتكون سببا في اختفاء مهن  بالكامل، فيما سيشتد الطلب على مهن ليس لها وجود حاليا، أو أنها موجودة بحدود ضيئلة لا تتناسب أعدادها مع الطلب المتوقع عليها.

والملفت في التقرير أنه ليس مبنيا على توقعات مجردة، بل على مؤشرات لها إرهاصات في الحاضر، إذ يقول التقرير الصادر عن مركز غير ربحي يهتم بتنبؤات الواقع على المدى البعيد: إن “هناك انقلابا متسارعا سيتمخض عنه تغيير في طبيعة العمل؛ ما يتطلب مهارات وإستراتيجيات جديدة تساعد أفراد المجتمع كافة على النجاح في بيئات العمل المستقبلية".

وحسب التقرير، فإن خمسة ملايين وظيفة سيخسرها البشر لمصلحة الحوسبة وذلك بحلول 2020.

وتعدّ وظائف عاملي المكاتب والطواقم الإدارية ومجالات التصنيع وحتى السلك القانوني، من بين الوظائف التي يعتقد أن التغيير سيطالها، وفقا للتقرير.

وإذا فصلنا في هذا الجانب، فسنجد أن من بين الوظائف التي تستقطب ملايين البشر حاليا والمهددة بالانقراض، مهنا عديدة في مجال البناء والإنشاء، التي بدأت تعتمد شيئا فشيئا على البناء الجاهز الذي يختصر مدة الإنشاء، وعدد الأشخاص الذين نحتاجهم في التنفيذ، علما بأن هذا النوع من الإنشاءات، لم يعد يقتصرعلى المساكن والمباني بل يطال – أيضا - الجسور والأنفاق وغيرهما من المرافق المعقدة.

الوظائف المهددة بالانقراض، تشمل -أيضا- المضيفين وعمال الفنادق والمطاعم وخدمات المطارات والحجوزات وغيرها من المهن التي كانت إلى عهد قريب تعتمد على العمل اليدوي.

وبناء على هذا الدور المتنامي الذي ستلعبه التكنولوجيا في المستقبل القريب، فإن الخبراء يقولون: إن تغيرات لا بد أن تطرأ على نوعية وشكل التعليم الذي يجب أنْ يتناسب - بعد اليوم- مع ما يحتاجه العالم من وظائف وأعمال.

وحسب التقرير، فإن العالم الذي يتقدم بوتيرة متسارعة، يحتاج إلى أن يتعلم أمورا جديدة باستمرار؛ ما يتطلب تغيير طريقة تعلمنا”، مع تقدم الكثير من المجالات العملية بسرعة، ولذلك فإنه من الصعب على المعلمين والمدربين أن يواكبوا آخر المستجدات، إذ أصبح بالإمكان اللجوء للتكنولوجيا للعثور على أفضل مصدر للمعلومات ضمانا لمواكبة مستمرة للمعارف والمهارات المطلوبة لسوق العمل.

ويخلص التقرير في تشخيصه لطبيعة التغيير الذي سيطال سوق العمل للقول: إنه نظرا لتزايد أعداد المعمّرين، فإن كل جانب من جوانب قطاع الرعاية الصحية سيكتب له الازدهار، ففي الوقت الذي تتمكن فيه العلاجات عن بعد وأجهزة الجراحة الروبوتية من تقديم وسائل جديدة في عملية الرعاية الصحية، فإن الطلب على مقدمي الرعاية الصحية سيزداد، خاصة أن نسبة من يعيشون عمرا أطول في ازدياد”.

وعليه فإن التقرير يقول باطمئنان، إن أكثر القطاعات الساخنة في الأعمال من فترة 2018 إلى 2025 سيكون قطاع الرعاية الصحية والمهن المرتبطة بالصحة؛ بما في ذلك القطاعات الساخنة، والتقنيون الطبيون وأطباء العلاج الطبيعي وخبراء الهندسة البشرية في بيئة العمل. والوظائف المساندة والمرتبطة بالرعاية الصحية مثل السكرتاريا الطبية والمعاونين الطبيين سيزداد عليها الطلب بشكل كبير.

والأمر الأخطر من ذلك كله، هو ما يمكن أن يحدث على الصعيد العسكري، إذ إن الجنود الآليين الذين كنا نقرأ عنهم بالكتب ومجلات الأطفال، باتوا حقائق على الأرض، ومقاتلين في الجو، ولا ندري كم من الوقت نحتاج لتسريح مئات الآلاف من العسكريين التقليديين، لنستبدلهم بروبوتات تدار وتوجه عن بعد، وتحقق نتائج وكفاءة أفضل مما يحققه الجنود في الميدان.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com