الجُرم الذي تلازمه الرأفة
الجُرم الذي تلازمه الرأفةالجُرم الذي تلازمه الرأفة

الجُرم الذي تلازمه الرأفة

وئام غداس

في بداية هذا الأسبوع، تمكن راكب زعم أن بحوزته حزاما ناسفا من السيطرة على إحدى الطائرات التابعة لشركة مصر للطيران، واضطرت الطائرة نزولا عند طلب المختطف أن تحوّل مسارها إلى مطار لارناكا في قبرص، مع أنها قبل تحويل مسارها أقلعت من مطار برج العرب في مدينة الإسكندرية متجهة إلى العاصمة القاهرة، الطائرة كانت تُقلّ بحسب شركة مصر للطيران 56 راكباً بالإضافة إلى أفراد الطاقم المكوّن من ستة أشخاص ومسؤول أمني وقد جاء في بيان لوزارة الطيران المدني المصرية أن 26 راكبا كانوا أجانب، وهم: ثمانية أميركيين واربعة بريطانيين وأربعة هولنديين وبلجيكيان ويونانيان وفرنسي وإيطالي وسوري.

أكّد الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس للصحفيين أن الموضوع لا علاقة له بالإرهاب، ولدى سؤاله عما إذا كانت لامرأة علاقة بالحادث، قال الرئيس القبرصي "هناك علاقة بامرأة دائما"، وبالنسبة لي فلعلّه كان أنسب أن يقول ونقول، إن هنالك دائماً علاقة بالحبّ وإن له دائما يداً خفية تحرّك الأشياء الأكثر غرابة على الإطلاق في الحياة، لعل هذا هو السبب الرئيس الذي جعل عملية اختطاف الطائرة المصرية وتحويل وجهتها تلقى نوعاً من المرونة في التعامل معها، حتى أن أشخاصا كثيرين استحسنوا أنه لا يزال ثمة من يقوم في أيامنا هذه بمثل هذه الأفعال المجنونة بدافع الحبّ حتى تحولت خلال أيام هذه الحادثة شغل كل الناس ومحورا رئيسا لأحاديثهم بل ومثاراً لاستخراج النكات والمواقف المضحكة، باتت كل النساء -أيضاً- تطالب باختطاف طائرة من أجل البرهنة على الحبّ.

خاطف الطائرة هو سيف الدين مصطفى مواطن مصري يبلغ من العمر 51 عاماً، كان متزوجا من قبرصية منذ ما يزيد عن العشرين عاما وقد عاشا سوية في مصر فترة قصيرة ومن ثم انتقلا إلى قبرص وهناك أنجبا خمسة أطفال، على إثر ذلك وقع الطلاق بين الزوجين، ولدى عودة سيف الدين مصطفى إلى مصر مُنع من العودة مجددا إلى قبرص بسبب كثير من القضايا الأخرى المتورط بها من بينها التزوير، وقد صرح أنه التجأ لاختطاف الطائرة عندما عجز عن إيجاد حلّ لمشكلته والسفر إلى قبرص ولأنه كان يريد فقط التحدث إلى زوجته السابقة، بسرعة استسلم الخاطف، فيما صرحت السلطات القبرصية بعد ذلك أن الحزام الناسف كان مجرّد خدعة، مؤكدة أنها عملية فردية وخالية من أية دوافع سياسية، نافية وجود أي علاقة بين هذه الحادثة والإرهاب، فهذا الرجل اختطف طائرة وأقام الدنيا ولم يقعدها؛ لأنه يرغب بلقاء زوجته ليس أكثر من ذلك.

هي عملية خطف حقيقية وليست مزحة بالتأكيد حملت ما تحمله معها عادة من أجواء محتقنة وعصيبة ومخاطر ولحظات خوف واستنفار وعنف نفسيّ سلّط على مجموعة من الأشخاص الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالموضوع، رغم ذلك لم تكن ردود الفعل حيالها عنيفة، على العكس بإمكاننا الاستنتاج ببساطة أننا بتنا مفتقدين لمثل هذه التحديات الغرامية الخطيرة، وهذه الأفعال الغريبة التي وعلى مرّ العصور لا يأتي بها سوى الحبّ داخل هذا الزمن البارد، بل داخل زمن الكراهية، غفر الناس من شدة تعطشهم لزمن جنون الحبّ لهذا المواطن حتى أن بعض ركاب الطائرة حرصوا أن يأخذوا مع هذا العاشق بعض الصور للذكرى، ومهما حاولت بعض الأخبار أن تختلق أو ربما تكشف أسبابا أخرى للحادثة إلا أن عقل الناس رفض القبول بها وبقي مصرا وحريصا أن يبقى السبب هو العشق، لأنه حتما السبب المريح والسبب الأجمل والوحيد القادر على جعلهم متفهمين ومتسامحين مع فعل إجرامي، هذه ليست حادثة الإجرام الوحيدة التي تنتج عن علاقة عاطفية، الحبّ بشكل ما يأتي حاملاً معه الجنون والتطرف، وهو كما تلاحظون الجرم الوحيد الذي تلازمه الرأفة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com