الشراكة الروسية الخليجية تجاوزت الأزمة السورية
الشراكة الروسية الخليجية تجاوزت الأزمة السوريةالشراكة الروسية الخليجية تجاوزت الأزمة السورية

الشراكة الروسية الخليجية تجاوزت الأزمة السورية

تتمدد الدبلوماسية الروسية في المنطقة على وقع الانزعاج الإقليمي من السياسة الأميركية المترددة حينًا، والملتبسة أحيانًا.

فإلى جانب سوريا التي كان لموسكو الدور الوازن فيها عسكريا وسياسيا، تستقبل روسيا على التوالي قيادات خليجية وعربية، تجعل من الرؤية الروسية للأزمة السورية، جزءا من سياسة روسية جديدة لا في مقاربة الأزمات الراهنة، بل في صياغة العلاقات الإستراتيجية مع دول المنطقة سياسيًا واقتصاديا وأمنيًا.

روسيا تغيرت ودول المنطقة تغيرت. الأيدولوجيا التي كانت سببا لقطيعة استمرت عقودًا بين الطرفين، لم يعد لها مكان في علاقات الجانبين اليوم، والشيوعية التي حكمت السياسة السوفياتية السابقة، تتبرأ منها روسيا الجديدة، وتعدّها مرحلة سوداء في تاريخها.

أما دول المنطقة فلم تعد ترى في موسكوعدوا، ولا تنظر لها كشيطان أكبر قيّد تحالفاتها الدولية ردحا طويلا، وحدّد أساليب مقارباتها لكل الأزمات والمشاكل الإقليمية والدولية.

هذا التحول في علاقات الجانبين، لا يعني أن روسيا تحاول ملء الفراغ الذي بدأت تستشعره دول المنطقة إما بسبب إنكفاء واشنطن، أو بسبب تنامي ضعف الإدارة الأميركية، في مواجهة التحديات والأزمات التي يمر بها الإقليم. كما أنه لا يعني أنّ الدول العربية تسعى إلى استبدال تحالفاتها الحالية، وتغيير صداقاتها الدولية بشكل انقلابي.

التحول الجديد في العلاقات الروسية العربية هو بداية لشراكة متكافئة، تملك مقومات النجاح، لكنها تواجه صعوبات. ومن هنا يمكن فهم التواتر في زيارات القيادات العربية لموسكو، وحرصهم على التشاور الدائم معها.

على أنّ الزيارات والمشاورات وحدها لا يمكن أن تؤسس لعلاقة شراكة مستقرة في ظلّ وجود أزمات تتباين بشأنها الرؤى، وتختلف بشأنها وجهات النظر، أو تتطلب مرونة أكثر، أو إيجابية أفضل في المواقف.

ويبدو أنّ القيادة الروسية تدرك أنّ مفتاح تلك الشراكة، يكمن في مدى التوافق بشأن أزمات الإقليم، وكيفية الوصول إلى حلول تؤسس لعلاقات مستقرة ودائمة. ولذلك فإنّ الدبلوماسية الروسية عندما تنشط في البحث عن مخارج لأزمات المنطقة، تدرك أن أوراق الحلول، لم تعد رهنا بالتحالفات القديمة، كما أن الوصول لها لم يعد يتنظر الضوء الأخضر من خارج الإقليم؛ إذ باتت دول المنطقة مستعدة بنفسها ودون وصاية للاتفاق على حلول، حتى لو أدى ذلك إلى اتساع هوة الخلاف مع حلفاء الأمس.

في هذا الإطار يمكن قراءة زيارة العمل التي قام بها أواخر الشهر المنصرم، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي لموسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزيارة المرتقبة التي يقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لموسكو قريبا، والتي يمكن أن تكون نقطة تحول في تعاطي الكرملين مع أزمات المنطقة ككل.

وعلى خلاف ما يرى كثيرون فإن الأزمة السورية ليست إلا رأس جبل جليد القضايا التي تتقاطع عندها المواقف الروسية والعربية. وتدرك روسيا أن أي حل للأزمة السورية، حتى لو كان التوافق عليه ممكنا، لا يمكن أن يصمد في ظل استمرار الأزمات الأخرى في المنطقة، وهو أمر قد يتطلب مقاربة لها كلها، ضمن تصور أشمل وأعمّ.

ولعل مؤتمر الكويت الخاص بالأزمة اليمنية، والزيارة التي يقوم بها زعيم الأغلبية البرلمانية اللبنانية سعد الحريري لموسكو، مؤشرات على تلك المقاربة وهذا التصور ودليل على أنّ الجهود الدبلوماسية بين الجانبين تتجاوز مرحلة جس النبض، إلى مرحلة صياغة الحلول والوصول إلى تفاهمات.

وفرص نجاح روسيا في تقديم وصفات علاج مقنعة لدول الخليج والدول العربية عديدة وواضحة، من أبرز مؤشراتها ردة الفعل الخليجية المرحبة بالانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا وما تلاه من اتصالات ولقاءات.

روسيا لا تملك حضورا دبلوماسيا مباشرا في أزمات المنطقة الأخرى، كما هي الحال في الأزمة السورية، إلا أن تأثيرها غير المباشر في تلك الأزمات لا يحتاج إلى دليل، أو إثبات. فهي حاضرة إما خلف الكواليس أو المحافل الدولية.

وموسكو أثبتت فعالية في تدخلها العسكري في سوريا، لا على صعيد التمهيد للهدنة في العديد من المناطق السورية، بل في التمهيد أيضا لمواجهة حاسمة مع القوى الإرهابية في شرق سوريا والتي ستكون الدول الخليجية والعربية طرفا أساسيا فيها.

ومن المؤكد أن الدبلوماسية الروسية لن تكون أقل في تأثيرها، من عملها العسكري الذي ثبت بالتجربة أنه كان مدخلا لهدنة ميدانية بدت للبعض مستحيلة، قبل أن تظهر كما لو أنها الضوء الوحيد، نحو حل واعد، يتراءى في آخر النفق المظلم الذي عاشته الأزمة السورية، والذي امتدت ظلاله القاتمة على عموم المنطقة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com