مجرد قهر!مجرد قهر!

مجرد قهر!

يوسف ضمرة

يبدو أن الزمن الماضي القريب لنا هو حقا الأجمل. ليس الأمر مجرد"نوستالجيا" نمطية اعتادها الإنسان أو العقل البشري، لكنه يبدو أمرا قابلا ليكون حقيقة أو أقرب للحقيقة.

في ذاك الزمن القريب، لم تكن ثمة قلوب بشرية تؤكل نيئة. لم يكن ثمة حز للأعناق. لم يكن هناك ملايين مشردة من العرب في أصقاع الأرض؛ وحدهم الفلسطينيون كانوا كذلك، وكانت قضيتهم هي الأولى والمركزية، ولم يكن ثمة سلطة عربية تجرؤ على مجرد السكوت على وقاحة العدو الصهيوني، لأن في ذلك "عار العرب"!

في ذاك الزمان، لم تكن ثمة عزلة مرعبة كالتي نحياها الآن؛ فالأسرة المكونة من ثلاثة أفراد، لا تكاد تلتقي إلا في الممرات والصالة، ففي كل غرفة تلفزيون وكمبيوتر وهاتف نقال، ولدى أي شخص مئات الأشياء التي ينشغل بها عن الآخرين. لا أحاديث منزلية؛ بل لا أحد يعرف من شؤون المنزل إلا الأب أو الأم. لا أحد قادر على التأثير في مستقبل أبنائه كما كان الأمر سابقا. لا أطالب باتخاذ القرارات نيابة مطلقة وقاطعة عن الابن، لكني أطالب فقط الأبناء باستشارة الآخرين الذين يعيش معهم تحت سقف واحد.

زمان، كان ثمة من يستمع إلى الأغنيات العادية، وكان ثمة من يتابع المسلسلات العربية والأجنبية معا. لكن اليوم، تطوعت التكنولوجيا فأغلقت الأبواب وأخفت خلفها بشرا لا نسمع أصواتهم، ولكننا نرى آثار مرورهم على المطبخ!

زمان، كانت الدول العربية تجتمع وتنتظر الناس منها مواقف جادة معلنة. لم يكن ثمة اصطفافات عربية كالتي تجثم اليوم فوق صدورنا، وتحيلنا إلى مجرد أناس قلقين في انتظار قذيفة أو حزام ناسف؛ يا إلهي، من أين جاؤوا بهذه الأفكار الغرائبية التي لم يجترحها الشيطان؟ ولماذا يقتلون إخوتهم بدم بارد؟ ما ذنب العمال والفقراء حتى يكونوا ضحايا بهذه البشاعة؟

زمان، كان ثمة أدب راق نتداوله بيننا؛ نقرأ محفوظ وحنا مينه وعبد الرحمن منيف وغالب هلسا، ونتحاور في أعمالهم، وننتظر مجلات الآداب والأقلام والموقف الأدبي وملحق الثورة الثقافي بشغف.

زمان، كان ثمة مسرح عربي ومهرجانات نداوم على حضورها والمشاركة فيها. نشاهد ما لم نعد نسمع عنه في هذه الأيام القذرة.

من تخلى عن هذا كله؟ ولمصلحة من؟ ومن الذي همس في آذان السلطات العربية أن فلسطين مجرد شأن شخصي، أو ثانوي في أحسن الأحوال؟ ومن أخبر الناس أن أنصار الحسين كفرة؟ وأنصار معاوية كفرة؟ وما شأن الأمة بهذه القصة التي حدثت قبل ألف عام؟

ألا يوجد لدينا ما نفكر به اليوم سوى قتل الرافضة والنصيريين؟ ألا يوجد مستقبل نفكر به للأمة؟ مشاريع نبنيها للأجيال المقبلة ونورثهم إياها، بدلا من أن نورثهم كأس الدم الحار ليشربوه، ويتحولوا إلى ملاعين في الكون تطاردهم كراهية العالم كله؟

انظروا إلى ليبيا فقط؛ كم حكومة لخمسة ملايين إنسان؟ كم مجلسا تشريعيا؟ كم جيشا وميليشيا؟ وعلام هذا كله؟ أما آن لنا أن ندرك أن الغرب أوصلنا إلى هذه الحال من عدم الاتزان، أنكون مجرد عبيد من المحيط إلى الخليج، لاثنين في المائة من حاكمي العالم، والقابضين على مال الناس وثرواتهم؟

مجرد قهر انفلت من عقاله، فدونته!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com