ذوبان الجليد!
ذوبان الجليد!ذوبان الجليد!

ذوبان الجليد!

غادة خليل

حين يذوب الجليد في العلاقات الإنسانية، فأنت على موعد مع اشراقة شمس جديدة ووعد بحرارة كانت مفتقدة.

هذا على المستوى المجازي، أما على المستوى الفعلي فالذوبان يعد بماء صاف بارد لا يمكن نسيانه من نهر بعد أول شربة!

اختبرت هذا في مدريد التي لا تبدو سعيدة كثيرا بماضيها العربي، والطريف أنها لن تستطيع مدريد الهروب منه حتى لو أرادت، إذ كيف يمكن لمدينة أن تهرب من اسمها؟ ومن أشهر النظريات المتداولة في هذا السياق، أن أصل تسمية العاصمة بهذا الاسم، تعود إلى الكلمة العربية "ماء جليد" التي تم تحويرها على اللسان الاسباني لتصبح "مجريط" ومن ثم مدريد.

وهناك نظرية قريبة من ذلك تذهب إلى أن الأصل يعود إلي كلمة "ماء لديد" أي لذيذ ، وكما تري فإن كلا النظريتين تنطلقان من غرام العرب قديما بلذة مياه الشرب التي تشتهر بها مدريد على مستوي العالم ، ومعهم كل الحق!

أيقنت من ذلك، حين ذهبت بصحبة بعض الصديقات لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في واحدة من الغابات الجبلية التي تشتهر بها المدينة وتقع على الأطراف. كان المنظر رائعا لقمم الجبال وهي تلوح على البعد متوجة باللون الأخضر المشوب ببقايا الجليد الذي حان موعد ذوبانه. وفوق واحدة من تلك المرتفعات، بدا المنظر أخاذا فهنا يمتزج الجبل بالغابة على نحو فريد وتمتد الأشجار في مساحات شاسعة تجعل من المكان الاختيار الأشهر للأهالي لكي يقيموا حفلات الشواء حيث تم تجهيزه من قبل البلدية بمواقد حجرية لإشعال النار في الفحم وبدء شوي اللحوم والدجاج، علما بأن السلطات تحظر الشواء في شهري يوليو وأغسطس بسبب ارتفاع درجة الحرارة وسهولة اشتعال الحرائق التي طالما قضت على مناطق واسعة من تلك الغابات.

طوال الوقت، يصلك بوضوح خرير المياه في الجداول التي تسري من الأعالي نتيجة ذوبان الجليد. إنها مياه رقراقه صافية شديدة العذوبة على اللسان، كما أنها بالطبع باردة برودة الطبيعة التي ضبطتها على الدرجة المثلي لتروي العطاشي ، ألم أقل لكم أن أجدادنا العرب كانوا محقين حين فُتنوا بماء الجليد؟

وعلى ذكر الأجداد، فإن واحدة من أجمل بنايات العاصمة على الإطلاق هي بناية معهد البيت العربي الذي تم افتتاحه رسميا في السابع من يوليو عام 2008 وهو تحفة معمارية تقوم على امتزاج الأسلوبين الإسلامي والأوروبي فيما يسمي "الفن المدجن الحديث” والذي ظهر في شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن التاسع عشر معتمدا على استخدام الطوب الأحمر وقد صممه المهندس المعماري الاسباني اميليوا رودريجيث ايوسوا، وتم بنائه في عام 1881 ليكون مدرسة قبل أن يتحول إلى "البيت العربي" تحت إدارة المعهد الدولي للدراسات العربية والعالم الإسلامي، وهو جهة اسبانية يترأسها وزير الشؤون الخارجية. ومن الخدمات التي يقدمها المكان دورات تعليم اللغة العربية وندوات تتناول العلاقة بين الشرق والغرب، وعروض مسرحية تجمع في صناعها بين الإسبان والجاليات العربية التي يعد المغاربة الأكثر عددا وتنظيما بينها علي الإطلاق.

ولا تندهش وأنت جالس في حديقة المعهد أن تسمع أصوات فيروز وأم كلثوم معظم الوقت، فهناك قاعة مخصصة لأغنيات هاتين القمتين فقط!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com