الإرهاب ورقصة الموت الأخيرة في بروكسل
الإرهاب ورقصة الموت الأخيرة في بروكسلالإرهاب ورقصة الموت الأخيرة في بروكسل

الإرهاب ورقصة الموت الأخيرة في بروكسل

تطور وتنوع العمليات الإرهابية، التي تضرب في أكثر من مكان في العالم آخرها بروكسل، يعطي شعورا بأن الإرهاب يستفحل، وأن أخطاره تتّسع وضحاياه يزدادون ، لكن خلف هذه الصورة القاتمة، ثمة شواهد عديدة على ضوء يبزغ من وراء هذه العتمة القاتلة، وثمة أمل يتشكّل ببطء مبشرا بخلاص مؤكد، وانعتاق ناجز، وإنْ بدا الأمر للبعض صعب المنال.

فالإرهاب الذي ظل أداة سياسية توظف لخدمة مصالح وتصفية حسابات، وتتباعد حوله الرؤى والمفاهيم، بات اليوم، -وإلى حد كبير-، محصورا ضمن أطر وقواسم مشتركة لا يختلف عليها الأضداد، ولا يتباين بشأنها حتى الخصوم ، بل شهدنا في سوريا إجماعًا ، وتحالفات واتفاقات وتفاهمات، لم تكن ممكنة، بين قوى كانت هي صانعة، أو داعمة لبعض التنظيمات والقوى الإرهابية .

ويبدو أننا نعيش المرحلة الأخيرة من عهد كان فيه الإرهاب سلعة في مزاد تصنيفات وتوصيفات، على مقاس دول أو مصالح، وعهد كانت تُعطى فيه صكوك الغفران ، لتنظيمات، فيما تُدان أخرى، ليكون أمام الجميع فرصة للعب على الحبلين، والاستقواء بطرف على حساب الآخر .

ولعلنا نذكر هنا ، تنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع برعاية أميركية، ولغرض سياسي قبل أن ينقلب السحر على الساحر ويتحول من أداة استخدمتها واشنطن لتصفية حساباتها مع السوفيات آنذاك، إلى العدو رقم واحد للإدارة الأميركية والذي بسببه جُيّشت له الجيوش، وحُشدت للقضاء عليه واجتثاثه ، الموارد والطاقات .

كما أننا نذكر ولا شك، الجهد الذي بذله ويبذله الكثيرون، في اصطناع الحجج والتبريرات؛ التي حاولت شرعنة الإرهاب أو الدفاع عنه ، أو قامت بإضفاء طابع رسالي عليه ، معطية إياه طابع القداسة من خلال توصيفات جعلت من الدين ستارًا للإرهاب. ، أو متكئا له .

كما نذكر الجهد الذي بذل لاجتراح البراهين، والأدلة لتبرئة الحركات الإسلامية، والدفاع عن تراث كامل من المفاهيم، والتفسيرات والاجتهادات الدخيلة على الإسلام، ونذكر الجهد الذي قام به البعض لإبعاد مؤسسات ظلت ترعى ذلك التراث، وتوفر تربة خصبة لتفريخ الإرهاب، لنتبين بعد فوات الآوان أن تلك الحركات وذلك التراث وهذه المؤسسات هي المسؤولة الأولى، عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بالعالم العربي والإسلامي قبل غيره من بقاع الأرض .

وبتنا ننظر بأمل، إلى أفول ما اصطلح عليه بالصحوة الإسلامية، والتي كانت في جوهرها، وأهدافها، ستارًا يحجب تنظيمات ظلامية، وشعارًا تتلطّى وراءه قوى صادرت الدين لحساب طموحاتها السياسية والحزبية ، وأصبحنا نرى تراجعًا واضحًا في قدرة تلك القوى والتنظيمات على تسميم العقول بمفاهيم مغلوطة، وتراجعت فرصها في حشد الطاقات البشرية، والموارد المادية ، وأضحت محاصرة بوعي مستنير، يراجع ويدقق، يناقش ويحقق .

ولعل الممارسات الشنيعة التي قامت بها بعض التنظيمات والميليشيات المحسوبة على الإسلام، والتي عصفت بأمن الناس، وهدّدت حياتهم ، وانتهكت حقوقهم المادية، وحرياتهم الشخصية، قد أسهمت دون قصد في تعرية تلك التنظيمات وحدّت من قوّتها وقدرتها، على استقطاب الأنصار والمريدين، ووفرت المناخ لفضح ممارساتها ومراقبة أنشطتها المادية والفكرية .

الحرب على الإرهاب ليست ما نشهده في الساحات والميادين العسكرية، أو في الساحات والمرافق العامة بل ما يجري في الكواليس ، ووراء الأبواب المغلقة، حيث تجري مراجعة أدوار كل القوى، والجهات التي أسهمت في صنع الإرهاب والترويج له ونشره ، ابتداء من الحواضن الفكرية، ومرورًا بالمؤسسات والمدارس الدينية التي تشوّه العقيدة، فتلعب دورًا مزدوجًا يختلط فيه نابل السياسة بحابل الدين وانتهاءً بالميليشيات التي تزعزع أمن الناس، وتُرهب حياتهم وتنتهك حقوقهم .

ما نراه اليوم من إرهاب في قلب أوروبا ومناطق في أفريقيا، هو الفصل الأخير في حياة قوى إرهابية محكومة بالموت والفناء، وما بشاعة العمليات الإرهابية التي تجري هنا وهناك إلا تعبير عن حالة الإفلاس الذي تعانيه القوى المتأسلمة، وهي بمثل هذه العمليات كالطائر الذبيح الذي يرقص رقصة الموت الأخيرة، طلبًا لحياة لم يعد له فيها مكان.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com