عش الدبابير
عش الدبابيرعش الدبابير

عش الدبابير

أحمد مصطفى 

بغض النظر عن كل ما قيل ويقال عن الانسحاب العسكري الروسي من سوريا بعد التدخل النشط ببضعة أشهر، فإن النتيجة الأبرز هي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن حقق هدفا أساسيا وهو "نكش عش الدبابير" في المنطقة.

ربما تكون بعض التفسيرات بها قدر من الصحة، مثل أن بوتن تدخل لحماية الأسد وليس لمكافحة الإرهاب أو أن روسيا لم ترد أن تترك الساحة السورية (التي لها فيها مصالح قديمة مستمرة) لقوى دولية واقليمية تتنازعها وحدها.

هناك بالطبع عوامل داخلية روسية، مثل رفع الروح المعنوية للجيش الروسي بدور خارج حدوده وربما ايضا اختبار اسلحة جديدة في ميدان القتال او حتى الهاء الشعب الروسي عن تبعات العقوبات الدولية على روسيا بسبب اوكرانيا وضيق ظروف العيش مع انهيار اسعار النفط.

وسواء كان انسحاب قوات بوتن سيؤدي الى تسريع فرص تسوية سياسية في سوريا، او يعجل بالتخلص من نظام حليفه في دمشق، فان موسكو حققت هدفا رئيسيا من خلها في سوريا بنهاية سبتمبر الماضي. ذلك هو أنها بشكل او باخر "نكشت عش الدبابير"، ربما ليس في سوريا فقط بل في المنطقة.

وبما ان التدخل جاء بعنوان رسمي هو "مكافحة الإرهاب بطلب رسمي من حكومة شرعية" فقد زاد التدخل الروسي من وتيرة العمل الاقليمي والدولي ضد داعش والارهاب عموما والضغط لوقف تسهيل تمدده (خاصة عبر تركيا). وكانت النتيجة ان خسرت داعش تقريبا ربع ما تسيطر عليه من اراضي في سوريا.

وعزز ذلك ايضا من حملة الاكراد في شمال سوريا ضد الارهاب في المناطق ذات الاغلبية الكردية.

صحيح ان "تهييج الدبابير" جعل اللسع يطال الجميع، حتى روسيا تضررت بسوء علاقتها مع تركيا، لكن ربما لو لم يحدث هذا التدخل لكان على المنطقة ان "تعيش" مع الارهاب لوقت طويل مترسخا موسعا رقعة نفوذه ومهددا الجميع.

لم تتدخل روسيا عسكريا بقوة في سوريا لتملأ فراغا نجم عن "فك الارتباط" الامريكي فحسب، بل تدخلت لحسابات مصالحها الاستراتيجية وخاصة حماية ما يوصف بانه "البطن الرخو" للأمن القومي الروسي والممتد من شمال ايران وجنوب شرق تركيا عبر بعض العراق وسوريا حتى البحر الابيض المتوسط.

انما الأهم ان الروس يدركون ان المنطقة تمر بمرحلة اعادة تشكل بعد هزات ما سمي "الربيع العربي"، وتسعى روسيا في اطار محاولة استعادة مكانة دولية فقدت بانهيار الاتحاد السوفيتي الى لعب دور في عملية تشكل الشرق الاوسط تلك.

لا لوم على روسيا في سعيها لضمان مصالحها، انما على الاطراف المعنية في المنطقة ان تتعلم صياغة مستقبلها بنفسها بقدر اكبر.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com