قصّة النأي بالنّفس من الصين إلى لبنان
قصّة النأي بالنّفس من الصين إلى لبنانقصّة النأي بالنّفس من الصين إلى لبنان

قصّة النأي بالنّفس من الصين إلى لبنان

مارلين خليفة

نأى لبنان بنفسه في بيان منفصل رافضا تصنيف "حزب الله" منظمة إرهابية من قبل جامعة الدّول العربيّة، لكنّه لم يخرج عن الإجماع العربي في البيان المشترك بل رفض التصنيف فحسب. ولعلّ هذا الموقف اللبناني الذي جاء متأخرا بعد أن خرج لبنان عن الاجماع العربي في الاجتماع الوزاري في القاهرة ثم في اجتماع منظّمة المؤتمر الإسلامي في جدّة أعاد الوصل مع القرار اللبناني بالنأي بالنفس عن الأزمة السورية ومشاكل المنطقة والذي تمّ إقراره في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كان فيها لبنان لمرتين عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي.

في تلك الحقبة، بين عامي 2010 و2011 خرج لبنان بحسابات دبلوماسية دقيقة من مواقف حرجة لم يكن بوسعه أمامها الخروج لا عن محيطه الإقليمي ولا عن الاجماع الدّولي بطبيعة الحال.

كما هو معروف، فإنّ مجلس الأمن الدولي يضمّ 15 عضوا، 5 دائمين لديهم حق "الفيتو" و10 غير دائمين، الخمسة الدائمين هم: الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين.

يصدر عن مجلس الأمن نوعان من القرارات: إما قرارات رئاسية أو بيانات رئاسيّة.

القرارات الرئاسيّة، هي بمثابة "قصاص" إذ تلزم الأمين العام للأمم المتّحدة ملاحقة الموضوع ورفع تقارير دورية الى مجلس الأمن يحيطه فيها علما بتطوّرات القضية، أما البيانات فهي بمثابة التأنيب الذي ينتهي مفعوله فور صدوره.

يتطلّب اتخاذ قرار رئاسي أن يتم التصويت إيجابا من قبل 60 في المئة من أعضاء المجلس أي 9 دول من أصل 15 وألا يصوّت أحد من ممسكي حق النقض ضد القرار.

أما في البيان الرئاسي فينبغي أن توافق الدول الـ15 كاملة، وهذا أمر يوجبه منح التأنيب قوّة الإجماع.

في آب 2011 اقترح الفرنسيون والإنكليز صدور قرار ضدّ النظام السوري.

لوّح الروس بحق "الفيتو" أي "حق النقض" وطالبوا بأن يتحول الى بيان رئاسي.

هذا الأمر أوقع لبنان في حرج كبير، فإذا رفض البيان الرئاسي يعني أنه يصطفّ ضدّ  النظام السوري، وإذا عارض يخرج من الإجماع العالمي.

هكذا جرت اتصالات مع الجانب الروسي لكي يصوّت ضدّ القرار الرئاسي دون أن يشهر سلاح "حق النقض" عندها يتمكن لبنان من المعارضة دون إحراج لأن صدور القرار لا يتطلب إجماعا، بل يتطلّب 9 أصوات فحسب.

أصرّ الروس على البيان الرئاسي. ما يعني بأنه إذا رفض لبنان البيان فإنه يخرج حكما من الإجماع العالمي وهذا ما لا طاقة له على تحمّله.

في تلك الفترة ذكر سفير لبنان الدائم لدى الأمم المتّحدة نوّاف سلام أنّه في ستينينات القرن الفائت حصل الأمر ذاته في قضية الحدود العراقية- الإيرانية، ولكي يخرج الصينيون من الإحراج تجاه بلدين صديقين، مرّروا البيان الرئاسي، واتخذوا ما يسمّى قرار النّأي بالنّفس، وهكذا اتّخذ الرئيس نجيب ميقاتي هذا القرار فتقبّله العرب والغرب ولم يكسر لبنان القرار العربي والدولي.

هذه الطريقة التي قفز فوقها وزير الخارجية والمغتربون جبران باسيل بتغطية من رئيس الحكومة تمام سلام حفاظا – كما قالا- على الوحدة الوطنية، تبقى الطريقة المثلى لصون علاقات لبنان الإقليمية والدولية من دون تسبيب الأذى لأحد بسبب الوضع الخاص للبنان المستقطبة طوائقه في أكثر من إتجاه.

فإذا كانت الصين بجبروتها شعرت بالحرج حيال دولتين صديقتين فكم الأحرى بلبنان الذي يكثر أصدقاؤه وتأثيرهم عليه وخصوصا في مرحلة الإشتباك السعودي الإيراني الحالية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com