أوليفيه روا.. عن الاسلام الحقيقي لا المنحول
أوليفيه روا.. عن الاسلام الحقيقي لا المنحولأوليفيه روا.. عن الاسلام الحقيقي لا المنحول

أوليفيه روا.. عن الاسلام الحقيقي لا المنحول

إميل أمين

لعله من ملاك القول الاشارة الى ان " اوليفييه روا " الكاتب والباحث الفرنسي الشهير في شؤون الاسلام السياسي يعد من اعمق الباحثين فهما لحقيقة الاسلام واكثرهم موضوعية في التعاطي مع قضايا الاسلام الحرجة والحساسة والتي باتت تشكل في ايامنا هذه حجر عثرة لا حجر زاوية .

في بدايات العام الحالي اصدر " روا كتابه الجديد " الاسلام والعلمانية "، ويتناول فيه معضلة المتخيل السياسي للإسلام ، وهل هناك في عمق الإسلام ثقافة سياسية ما أم لا؟ وفى كل الأحوال يؤكد أنه لا تشير الإحالة على الإسلام إلى استمرارية تاريخية دامت أربعة عشر قرناً ، فهي إحالة مرنة جداً ، لا تحدد أي نموذج قبلى وتتكيف مع منظومات سياسية مختلفة. غير أن الإحالة المنتظمة على ثقافة سياسية مسلمة تعنى أن ثمة ثابتاً لا يتغير ، شكلاً متخيلاً للسلطة ينظم العلاقة التي يقيمها المسلم مع الشأن السياسي والتي تعود اليوم مع صعوبة استيعاب نموذج الدولة الحديثة والديمقراطية.

كيف يتسنى والحالة هذه تصور عودة الديني إن لم يكن في شكل التقليد القديم المهجور؟ هذا التقليد يفترض دوام نمط من التفكير ، مغطى مؤقتاً بالحداثة غير أنه يعود مجدداً كمكبوت مؤسسي ، مثل حقيقة هوية تبحث عن ذاتها . هكذا يتم السعى دائماً إلى تحديد ثابت ديني ، عقيدة ، عقلية أو ثقافة تفسر الإجابات المختلفة التى يقدمها كل مجتمع بشأن النظام الاجتماعي ، والشكل السياسي ، والتطبيق الاقتصادي ، والعلاقة بالمكان وتعريف الذات.

غير أن بعض المؤلفين ، أمثال صموئيل هنتغتون (والرأي العام في الغالب) يرون أن ثمة صلة مباشرة بين العقيدة والنظام السياسي، صلة تتجسد في " ثقافة " : الثقافة المسلمة أو "العربية الإسلامية" وبالجملة حتى مع التفكير في أن المجتمعات الإسلامية ربما تكونت عبر سيرورات دنيوية فقد طبع الإسلام ثقافته السياسية ، لا بل الذهنية الفردية للفاعلين ، تماماً كما أن أوربا المدنيوة ، تبقى مسيحية في العمق. هكذا تبقى الرؤية التمامية للإسلام حية في الأيديولوجيات السياسية للشرق الأوسط (حيث جامعة العروبة ما هي إلا دنيوة للجامعة الإسلامية ، وتبقى صعوبة التفكير في قيام مؤسسات سياسية مستقلة ، وتصور المواطن بمعزل عن روابطه العشائرية أو ذوبانه العاطفي في الطائفة : كل ذلك كما يزعمون هو علاقة دوام ثقافة عربية إسلامية صعبة الإنقياد لإقامة دولة حديثة.

في كتابه الجديد يتوقف "روا " مع الاصوليات التي تتصاعد اليوم حول العالم ، أصوليات تقوم بناءاً على منطلقات للأديان الوضعية، وأخرى تمتد جذورها من الأديان التوحيدية ، وفي الحالتين ينظر إلى الأصولية الجديدة اليوم كما لو أنها تهديد مجتمعي ، أي عنصر إضافي في عملية تهديم بين النسيج الاجتماعي. لكن لا علاقة لذلك بـ "صدام الحضارات". وما لا يفهمه منتقدو التعددية الثقافية والطائفية هوأن الطوائف المعاد تأسيسها على يد الأصوليين الجدد ، ليست هى التعبير عن ثقافات تقليدية. كانت هولندا قد صدمت بمقتل "ثيو فان غوغ" : لكن إذا كان القاتل مغربي الأصل فقد كان هولندياً يكتب باللغة الهولندية ويدافع عن إسلام "إجمالي" ويحيا بالأحرى هذا الإسلام المعرض للخطر والذي لم تعد له حدود إقليمية: هوهوية مجردة ، من دون تجذر في مجتمع وثقافة ، والذي يتحقق في هذه الحالة ، بفعل إيمان المؤمن الذي يرسم الحدود بضربة سكين على عنق المجدف. إن طائفية هذه الأيام هي إعادة بناء طائفية خيالية تندرج في مجال آخر غير مجال الدولة ـ الأمة.

يستلفت الانتباه إقرار واعتراف "روا " بأن تاريخ العالم المسلم كله يثبت أن السلطة كانت علمانية بالفعل ولم تكن موضوع تقديس البتة. والحال أن إعادة الأسلمة في القرن العشرين هي التي طرحت للنقاش الموازنة بين سياسة ودين ، في مقابل إعادة قراءة للإٍسلام تظهر كعودة إلى الأصول ، ولكنها في الواقع أدلجة للدينى وعندما يلح الإسلاميون ، وكذلك الأصوليون، على ضرورة العودة إلى زمن النبي، فهم أول من قال بأن ما من تشكيل سياسي قام في العالم المسلم يوافق دولة إسلامية حقيقية. وعلى ذلك فإن إشكالية الدولة حديثة العهد.

لقد درس "روا" معضلة الدولة الإسلامية ، ويكفي القول أنه وجد تعريفها سواء لدي أبي الأعلى المودودي أو الخميني أو الأخوان المسلمين ليس مأخوذاً من الشريعة أو من تقاليد سياسية في العالم الإسلامي ، لكنه يمثل عملياً قراءة إسلامية للمفاهيم السياسية الحديثة (دولة ، ثورة ، أيديولوجيا ، مجتمع) ويقدم على وجه الدقة تفكيراً في استقلال السياسي وتفشيه متخذاً الأيديولوجيا كمفهوم وسيط.

وعليه فإن الدولة الإسلامية ليست الدولة التي تعترف بالشريعة كقانون فحسب ، بل هي ايضاً الدولة التي تجعل من الدين أيديولوجياً.

خلاصة روا القيمة في السطور التالية : "المشكلة ليس الإسلام بل الديني ، أو بالأحرى الأشكال المعاصرة لعودة الديني . وهذا ليس سبباً لإبداء الترحيب والتضامن مع أولئك الذين يبدون كمنبوذين ، ولكنه على العكس حث على النظر إلى الإسلام في الإطار نفسه الذي ننظر فيه إلى الأديان الأخرى والظاهرة الدينية في ذاتها. هذا هو الاحترام الصادق للآخر والحس النقدي الحقيقي.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com