حماسة عباس وتراجع حماس
حماسة عباس وتراجع حماسحماسة عباس وتراجع حماس

حماسة عباس وتراجع حماس

من حسن الحظ، أو من لطف الله، أن المصالحة الفلسطينة الفلسطينة، تمت قبيل العدوان الأخير على غزة. وإلا لقيل أن عودة السلطة لممارسة مهامها في القطاع، جاءت على ظهر دبابة الاحتلال، وهو أمر سمعنا مثله في العراق مرة، وفي ليبيا مرة أخرى، قبل أن يتكرر مرات، في غيرها من الدول العربية، التي كانت لقوى أجنبية دورا، في تغيير أنظمتها، أو تغيير المعادلات السياسية فيها.



ومع أن المصالحة الفلسطينية أفادت السلطة، وبرأتها من تهمة الاستقواء بالاحتلال، وقطعت الطريق لمن يحاول تشويه عودتها لغزة، إلا أن هذه المصالحة أفادت أيضا حركة حماس التي ما كان لها أن تنجز اتفاقا مع إسرائيل، لولا المظلة التي وفرتها السلطة لها، ولولا دعمها السياسي، والذي تجاوزت به الحركة حالة العزلة، التي كانت تعيشها قبيل العدوان، حين فقدت حليفها القريب في مصر بعد سقوط جماعة الإخوان، وحليف الممانعة البعيد، الذي ساءه تنكر حماس له، والتحاق الحركة بركب القوى التي تطالب برأس النظام السوري، وتدعو إلى اسقاطه.


وبغض النظر عن الفائدة التي تحققت لطرفي المعادلة السياسية الفلسطينية، من وراء استعادة السلطة الوطنية، لمكانها ودورها في القطاع، فمن الواضح أن هذه العودة، لن تكون سهلة، أو تلقائية، حتى لو بدت الصورة الخارجية غير ذلك.


فالسلطة لا تريد الآن عودة شكلية للقطاع، كما كان يتوقع البعض عند توقيع اتفاق المصالحة، كما أنها لا تريد أن تكون هذه العودة ثمرة الاتفاق مع حماس فقط، بل جزءا من اتفاق التهدئة الإقليمي، وإحدى تجلياته الأساسية، ومظاهره الواضحة.


والثمن الذي يمكن أن تدفعه السلطة مقابل المصالحة لن يكون قاصرا على حماس، بل لا بد أن تدفع شيئا منه للرعاة الإقليميين. وتوزيع الثمن بهذا الشكل سيعطي للسلطة مرونه أكبر في حركتها السياسية. إذ سيكون لدى السلطة ما يلجم حماس، التي يتعين عليها من الآن أن تدخل في حساباتها، الاعتبارات الإقليمية بعد أن أصبح اتفاق التهدئة في غزة، جزءا من تلك الاعتبارات، والبوصلة التي تساهم في توجيه تطورات القضية الفلسطينية، شأنه في هذا شأن اتفاق أوسلو، أو اتفاق إسرائيل وحزب الله في العام 2006.


من خلال هذا التطور يمكن فهم "الحماسة" التي تحدث بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن المرحلة القادمة من المواجهات، أو المفاوضات مع إسرائيل. إذ يبدو أن عباس يشعر أنه في وضع أقوى فلسطينيا، بحيث أنه قادر على طرح برامج وتصورات سياسية دون أن يخشى معارضة فعلية قادرة على، "الفرملة" أو العرقلة، كما أنه بات قادرا على توجيه انتقادات للحركة الإسلامية دون أن يخشى أن تقوض مثل تلك الانتقادات، اتفاق المصالحة.


حماس من جانبها ترى أنها حققت انجازا في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وتجد من حقها أن تستعيد دور الشريك الكامل، في السلطة. بعد أن كان جل ما تأمله من المصالحة أن تستعيد دورها الذي كادت أن تفقده بسبب عزلتها الإقليمية، ولذلك فهي تطمع إلى حصة تتناسب مع حجم انجازها.


حتى الآن تبدو المصالحة الفلسطينة صامدة، حتى مع بذور الخلافات التي قد تنتج عن اتفاق التهدئة، وعودة السلطة عودة فعلية معززة بدعم إقليمي، وقوة حقيقية، قادرة على تنفيذ الاتفاق، وحمايته من أي محاولة للاختراق، أو أي شكل من أشكال التجاوز.


لكن حماس مع محاولتها الظهور، بمظهر المنتصر، وسعيها لاستثمار ذلك في أي انتخابات تشريعية مقبلة، ستجد نفسها بصورة أو أخرى في مواجهة مع السلطة، حيث سيكون عليها الاختيار بين مواقفها التقليدية السابقة، أو التنازل لها، وعندها سيكون هذا التنازل التحاقا بركب المفاوضات مع ما يعنيه ذلك على صعيد آيدولوجية الحركة وشعبيتها، التي بنتها على أنها حركة مقاومة إسلامية، وهو ما سيؤثر على مستقبل وجودها في الساحة السياسية الفلسطينية، أو في أي توزيع للقوى داخل السلطة.


ولا تبدو السلطة التي استعادت الكثير من دورها الإقليمي ، في وارد التنازل عن الامتيازات التي تحققت لها بمفاوضات التهدئة وما تلاها، لا طمعا في استعادة الأغلبية في الشارع الفلسطيني فقط، بل في تصليب قدرتها لانجاز المفاوضات التي باتت معادلا موضوعيا لوجودها وبقائها.


ما يحدث على الساحة الفلسطينية اليوم لا يقتصر على لملمة آثار العدوان العسكري على غزة، بل يتسع إما لطي صفحة الخلافات الفلسطينية الفلسطينية إلى غير رجعة، أو لجعل هذة المرحلة مرحلة انتقالية لجولة جديدة من الخلافات والمعاناة الفلسطينية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com