"الشيزوفرانيا" السياسية تكبل الحكومة اللبنانية
"الشيزوفرانيا" السياسية تكبل الحكومة اللبنانية"الشيزوفرانيا" السياسية تكبل الحكومة اللبنانية

"الشيزوفرانيا" السياسية تكبل الحكومة اللبنانية

تاج الدين عبد الحق

يدفع اللبنانيون ثمن تحالفاتهم الإقليمية، وثمناً أكبر لخلافاتهم الداخلية. وفي كل الأحوال هو ثمن باهظ بالنسبة لبلد صغير بجغرافيته، ومحدود في موارده، ومهدد بالتفجير في كل آن . والمقاطعة الخليجية الأخيرة  -رغم الضجة المثارة حولها- ليست أكثر من القشة التي قصمت ظهر عقود من انتظار الفرج، والبحث عن مخرج .

دول الخليج، التي قررت منع مواطنيها من السفر إلى لبنان، ووقف مساعداتها العسكرية له، لا تفعل ذلك، عقابا للبنان ككيان، وإنما ترد على "الشيزوفرانيا السياسية" التي باتت تتحكم بقراره الرسمي وتضبط علاقاته بمحيطه الإقليمي والعربي  منذ أن اتخذ النأي بالنفس شعارا لتلك السياسة، وضابطا لإيقاعها .

فعندما قبلت دول الخليج سياسة النأي بالنفس،  قبلتها كمخرج من الحرج الذي كانت تقع فيه الحكومة اللبنانية في كل مرة يطلب منها أن تتخذ موقفا إزاء أي قضية من القضايا الخلافية العديدة التي تحكم العلاقات العربية العربية . ولم يخطر ببالها أن تصبح هذه الصيغة التوافقية سلاحا بيد حزب الله  يشرعن من خلالها دوره السياسي، أو نوعا من الاسترضاء له، أو تخريجا سياسيا يسمح له بالحفاظ على حالة الاستقواء التي يمارسها ، و يعرقل بها مهام الدولة ومسؤولياتها .

 ومنذ اعتماد سياسة النأي بالنفس وحزب الله الشريك الأساسي  في الحكومة اللبنانية، لا يدفع كلفة أو ثمن هذه السياسة، ويحمّل وزرها كاملا للحكومة اللبنانية، بصفتها صيغة توافقية تعكس رأي كافة الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة في لبنان.

 وكانت دول الخليج الحريصة على التهدئة في لبنان، تقبل وعلى مضض، مواقف الحكومة اللبنانية بعجرها وبجرها، حتى تلك  التي تتعارض مع مصالحها رغم علمها أن تلك المواقف لا تعكس رأي الأغلبية اللبنانية الصامتة أو المغلوبة على أمرها.

 وبدا من تواتر المواقف الخليجية المحابية لبعض التجاوزات اللبنانية أن دول الخليج باتت شريكة دون اختيار،  في إضفاء شرعية على استقواء  حزب الله على باقي المكونات السياسية اللبنانية، ومنحه المجال للتمادي في مواقفه المناهضة لمصالحها، دون أن يؤثر ذلك -من قريب أو بعيد- على مكانته الشعبية، أو سطوته على السياسة اللبنانية .

ومنذ أن اتخذ حزب الله سياسة سافرة للتدخل في سوريا،  و مناهضة الموقف الخليجي في البحرين وفي اليمن ، ظهر التناقض والازدواجية في مفهوم سياسة النأي بالنفس، فهي نصوص مقدسة حين يريد الحزب توظيفها توريطا للبنان، في مواقف سياسة أو عرقلة لدوره والتزاماته، وهي نصوص غير ملزمة عندما يتعلق الأمر بمصالح الحزب وارتباطاته وتحالفاته الخاصة، وكأن الحزب يلعب في آن دور الشريك في الحكم  الذي ينأى بنفسه عن صراعات الإقليم، ودور المعارض الذي  ينخرط حتى النخاع في تلك الصراعات .

هذه الازدواجية السياسية  التي يتعايش معها لبنان، كما تعايش مع أشكال أخرى من السياسات المتناقضة ، والاختلافات الحادة،  لا تلزم دول الخليج، فهي ليست مضطرة للدخول في لعبة التكاذب هذه، والقول، إن سياسة الحكومة اللبنانية مختلفة عن سياسة حزب الله ، وإنها تنأى بنفسها عن الخلافات العربية والإقليمية،  فيما أحد مكوناتها الأساسية والقابض على اللجام فيها يتحرك في كل اتجاه  للإضرار بالمصالح الخليجية إما أمنيا أو سياسيا أو حتى إعلاميا وذلك أضعف الأضرار .

وليس سرًا أن دول الخليج باتت تتحسب لما تلحقه السياسة المزدوجة التي تمارس في لبنان على صعيد أمن الخليج . ووفقا لتقارير تم تداولها مؤخرا،  فإن العديد من القوى الطائفية والحزبية الموالية لإيران في المنطقة باتت تجد في لبنان ملاذات تحرك منها أنشطتها السياسة والإعلامية، أو جعلها مراكز لتدريب بعض العناصر التي تسعى لتقويض الاستقرار الذي تعيشه دول المنطقة .

ودول الخليج عندما تتخذ إجراءات تجاه لبنان ، لا تفعل  ذلك  كنوع من العقاب، أو التنصل من الالتزام ، لكنها تسعى لتصحيح معادلة مختلة، تحمل لبنان وحكومته وزر مواقف وسياسات، لا تعبر عن اللبنانيين، بقدر ما تعبر عن فئة قليلة منهم، ارتبطت مصالحها وأجنداتها بمصالح وأجندات قوى إقليمية لم تعد تخفي مخططاتها  الخطيرة أو تواري أنشطتها في المنطقة .

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com