هيكل الصندوق الأسود لمصر والعرب
هيكل الصندوق الأسود لمصر والعربهيكل الصندوق الأسود لمصر والعرب

هيكل الصندوق الأسود لمصر والعرب

محمدالغيطي

رحل هيكل، لقبه زملاء المهنة بالأستاذ وعرفه نقيب الصحفيين الأسبق إبراهيم نافع بصانع الحدث الصحفي ولقبه الراحل كامل الزهيري بالصندوق الأسود لتاريخ مصر والعرب المعاصر، وأقر وأعترف أنني لن أوفي الرجل حقه في بضعة أسطر، لأسباب عديدة، يمكن أن ترجع إلى كتبه ومقالاته لتعرف إشكالية الكتابه عنه ،

نعم لقد كتبنا أثناء حياته منتقدين، ونحن طلبة في قسم الصحافة، من باب التمرد المشروع وشهوة الاختلاف، وكتبنا منتقدين ومهاجمين عندما التقى مرسي في الاتحادية، بعد توليه الرئاسة، وقال عنه إنه يسمع للرأي الآخر ولديه مشروع ولابد من أن يأخذ فرصته هو وجماعته كامل، هاجمنا هيكل، وبعضنا لعنه علانية، وقلنا إن الرجل أصيب بالخرف، ولابد أن يصمت خصوصاً أنه أعلن منذ سنوات انسحابه من المشهد، واستخدم تعبيراً جديداً وهو (الاستئذان في الانصراف من الكتابة )بينما ظهر بعدها ضيفاً في فضائية مصرية بشكل أسبوعي، لتحليل المشهد الذي أعلن الانصراف منه.

نعود لتعبيره عن مرسي والإخوان، وقوله اتركوا للإخوان فرصة الحكم، وبعد 30 يونيو اكتشفنا أن لديه كل الحق، وأنه رأى مالم نره، لأنه قال بعد ذلك: الزمن والبشر ضد فكر جماعة الإخوان، والمصريون صنعوا معجزة بخلعهم بعد عام.

أما عن مبارك فيحسب لهيكل أنه أثناء حكمه قال في حديث خطير لشبكة البي بي سي، ونشر في عدة صحف، عندما سألوه عن مبارك قال: السلطة شاخت، وعلى مبارك أن يترك الحكم، ويلغي مادتي الدستور الذي عدله لتوريث السلطة لولده، وهنا قامت الدنيا وانطلقت صحف وإعلام مبارك لتفتح النار على الرجل، وكالعادة استخدمت كل الأسلحة غير المشروعة لضربه تحت الحزام، وكانت أخطرها أموراً شخصية بفتح ملف بيزنسو وأولاده وهروب أحدهم إلى الخارج رغم أن أبناء مبارك كانوا شركاء لابنه الآخر في صفقات البورصة ولكن اْبواق مبارك لم تذكر ذلك مطلقا .

الغريب أن علاقة هيكل بنظام مبارك بدأت بلغز، فقد أفرج عنه ضمن مجموعة المعارضين المعتقلين الذين حبسهم السادات في سبتمبر 1980 وأفرج عنهم مبارك بعد توليه السلطة، واختص هيكل بلقاء منفرد، وطلب منه أن يقف بجواره، كما فعل مع عبد الناصر، ونصحه هيكل أن يبدأ حكمه بعقد مؤتمر اقتصادي ليضع حلولاً لمشاكل الطبقات الفقيرة, التي سحقها انفتاح السادات, وأن يطلق حرية العمل السياسي، وتكوين الأحزاب وحرية التعبير وإصدار الصحف، وهنا كما يقول هيكل في كتابه الأخير (مبارك وزمانه من المنصة للميدان) صدمه رأي مبارك في الصحفيين عندما قال بالحرف إن الصحفيين شوية بلطجية والواحد يشتريهم بعشوه اي بوجبة عشاء.

كتاب هيكل الأخير يحكي فيه تفاصيل بالوثائق تصدم القارئ، وتوجب سؤالاً طارد هيكل من معارضيه، وهو لماذا لم تكتب هذا الكلام؟ وهو في الحكم خصوص, وهو يجرده من أية صفة حميدة، ويصوره بقلم جراح بأنه يفتقد للرؤية السياسية والمشروعة، وأنه لم يقرأ كتاباً في حياته، وأنه قال له أنا لا أحب القراءة، وأي تقرير إذا زاد عن عدة أسطر ألقيه جانباً، هيكل في مقدمة كتابه الأخير يقول (إن محاكمة رئيس الدولة يجب أن تكون سياسية، تثبت أوتنفي عنه مسؤلية الإخلال بعهده، ووعده وشرعيته مما استوجب الثورة عليه، أما بدون ذلك فان اختصار التهم في التصدي للمظاهرات قلب للأوضاع، يستعجل الخاتمة قبل المقدمة والنتائج قبل الأسباب، ذلك أنه إذا لم يظهر خروج مبارك على العهد والوعد والشرعية إذاً فقد كان تصديه للمظاهرات، وممارسة لسلطته، في استعمال الوسائل الكفيلة لحفظ الأمن العام، ويضيف إن المحاكمة السياسية هي الأساس الضروري لمحاكمة مبارك جنائياً وإصراره على استمرار خرقه المستبد لعهده الدستوري مع الأمة.

هذه نصيحة هيكل للثوار المطالبين بالقصاص العادل من مبارك وزمرته، لأن القضية أكبر من مجرد قتل المتظاهرين، أما نصيحته للسيسي الذي عبر عن حزنه الشديد لفقده، ووصفه أنه أحد الأعمدة الوطنية، فكانت توسيع دائرة علاقات مصر الخارجية وفتح جسر حوار مع إيران والاهتمام بقضية العدل الاجتماعي

لاشك أننا فقدنا أشهر صحفي عربي عبر أكثر من نصف قرن، وأكثر صحفي جمع وثائق سياسية وتاريخية تجعله صاحب الصندوق الأسود لمصر والمنطقة، فهل يفرج الورثة عن هذا الصندوق الذي أوصى بتسليمه لدار الوثائق الرسمية ؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com