هيكل .. من تراه يرثيه؟
هيكل .. من تراه يرثيه؟هيكل .. من تراه يرثيه؟

هيكل .. من تراه يرثيه؟

إميل أمين

من تراه صاحب القلم الذي يمكن ان يرثي الاستاذ ؟

يصعب على المرء ان يجد هذا الشخص ، فالاستاذ رحمه الله لم يكن كاتبا سياسيا او مفكرا عربيا ، لم يكن صحافيا اعتياديا ، وان احب ابدا ودوما لفظة " الجورنالجي " ، كما انه تجاوز قامات الوزارة وان شغل مقعد الوزير.. لقد كان الاستاذ ظاهرة مثيرة تجمع بين هذه جميعها في نفس الوقت .

من قلب المحلية ينطلق هيكل الى العالمية ، من ميدان الحسين حيث المولد ، الى اكبر صالونات السياسة في لندن ونيويورك وطوكيو ، انه الرجل الواسع الافاق والمتعدد الافق ، وها هو يعود من جديد الى مسجد الحسين ، حسب وصيته ، في مشهد الوداع الاخير .. حقا .." كل نفس ذائقة الموت ".

يمكنك وانت تقرا عن رحيل الاستاذ ان تتفق معه او تفترق عنه ، لكنك وفي كل الاحوال لا تستطيع ان تنكر انه كان حجر زاوية في كثير من القضايا العربية المعاصرة وربما في مقدمتها اشكالية الوحدة العربية والهوية والقومية ، وقد عاش زمن المد الثوري شريكا ايديولوجيا لعبد الناصر .

من صنع الاخر .. يتساءل البعض .. هل ناصر هو من صنع هيكل ام العكس ، فقد قال الاستاذ انيس منصور ذات مرة ان هيكل هو من صنع الظاهرة الناصرية ؟

في الفالوجا وفي زمن حرب فلسطين الاولى تعرف هيكل الصحافي المصري الشاب ، على عبد الناصر ، الضابط المقاتل ، فتلاقت الارواح والارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، ولاحقا قال هيكل :" ادركت وانا اتكلم معه انني اتحدث مع شخص يفهم التاريخ والاستراتيجية جيدا ، وملم بقضية فلسطين ، ويفهم في الادب والشعر والثقافة ،وكانت اهتماماته تتسع خارج حدود وظيفته ".

ومضى بهما العهد على طريق الصداقة الوثيقة ، من زمن التحضير لثورة يوليو الى كتابة الميثاق ، مرورا بلحظات عديدة من الانتصارات والانكسارات ، انتصارات في بناء مصر الداخلية وتجاوز عقبات الاستعمار والامبريالية الغربية ، مثل لحظات مولد السد العالي ، ولحظات ألم ومرارة ، عقب النكسة ، وقد كان هيكل هو كاتب خطاب التنحي الذي رفضه الشعب ، ليجبر ناصر على التمسك بموقعه ليقود ملحمة حرب الاستنزاف ، والاعداد لحرب اكتوبر .

في هذه جميعها كان هيكل ضمير ناصر الحي ، وصوته لا الى المصريين فقط بل الى عموم العالم العربي وما وراء البحار ، وما من احد قبل هيكل او بعده شغل هذه المكانة .

لم يكن هيكل صحافيا وان ظل يطارد الاخبار حتى لحظات وفاته ، فقد كان السؤال الاول على لسانه غداة رؤيته لأي من ابناء المهنة:" ما الاخبار "؟ .

كان رحمه الله عقلية اخبارية وتحليلية واستشرافية فذة ولعل هذا ما ميزه عن الاخرين ، وهو كذلك ما جعله هدفا لنبالهم وسهامهم في الصباح والمساء ، غيرة تارة وحقدا تارة اخرى ، وفي كل الاحوال كانت قامته تطال عنان السماء في كل لحظة يحاول اعداءه الاختصام من رصيده لدى المصريين .

رحلة هيكل مع الاهرام ، رحلة تستحق التوقف امامها ، وتجربة في حاجة الى حبر كثير يسال على الاوراق ، فهو المؤسس الثاني بعد آل تقلا ، هو صاحب المجد الابدي للمؤسسة ولكيانها ، وليس فقط باني مبناها الجديد .. لقد خلق هيكل جيلا اهراميا جديدا ، جيلا عرف كرامة المهنة ، وحافظ الرجل على شكل وجوهر الصحافي المصري ليكون مراة مصقولة للمؤسسة الصحافية الاولى في العالم العربي طوال عقود ، قبل ان يبدا الزمن في تبديل الطباع وتغيير الاوضاع .

الحديث عن الاستاذ الكبير الراحل يحتاج لمؤلفات بعينها ، هل نتحدث عن لغته حيث كان يكتب السياسة بطعم الادب ؟ ام نتكلم عن رؤيته الكوسموبولتينية ؟ ام عن طبيعته كحكاء وقاص غير مسبوق في عالم السياسة ؟

مهما يكن من امر ، لقد كان الاستاذ علامة فارقة في تاريخ صحافة مصر والاعلام العربي ، رجل متعدد المواهب ، نافذ البصيرة له رؤية وموقف ، وكثيرا ما دفع ثمن مواقفه وقت الضرورة ، دون سعي منه لبطولة او طلب مجد وهو ما سيذكره له التاريخ .

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com