تبدل الأدوار.. واختلاف التحديات
تبدل الأدوار.. واختلاف التحدياتتبدل الأدوار.. واختلاف التحديات

تبدل الأدوار.. واختلاف التحديات

مضى الوقت الذي كانت فيه دول الخليج كمالة عدد، أو بيضة القبان، بين محاور عربية متصارعة، حول مواقف سياسية أو اجتهادات أيديولوجية.



في ذلك الوقت، كانت دول الخليج الخارجة للتو، إلى فضاء الحرية، بعد حقبة استعمارية طويلة، تتعثر في إيجاد مكان لها في الصفوف الأولى، وظلت تكتفي بدور الكومبارس، في السياسات العربية، فيما ينفرد بأدوار البطولة المطلقة آخرون أعلى صوتا، وأكثر ضجيجًا.

كان الآخرون يُعيّرون دول الخليج بتخلفٍ لم يكن يوما من صنعها، وجهلٍ لم يُعِنْها أحد على الانعتاق منه. وكانت دول المنطقة - التي لم تكد تنعم بالاستقلال الحقيقي بعد- تحمل وزر سياسات لم تُستشر فيها، وكانت مضطرة على الدوام أن تقف موقف الدفاع، أو تدفع ثمنا أقرب للرشوة؛ خلاصًا من اللوم أو درءًا للعتاب.

كانت علاقاتها مع الغرب تهمة؛ رغم أنها لم تكن في معظمها خيارا. وكانت تتعرض للإحراج حين يطلب منها مواقف لا تستطيع اتخاذها؛ إمّا بسبب قلة الحيلة وضعف الإمكانيات، وإمّا بسبب ضغوط دول الجوار ومطامع الكبار.

كانت تعامَل مِن أشقائها الكبار معاملة الأطفال القُصّر، الذين يحتاجون لمن يدير شؤونهم، ويعتني بمصالحهم، ويدافع عن حقوقهم. وكان أي اعتراض -مهما كان صحيحا، ومهما كان عادلا- يضعهم في قفص اتهام، إمّا بالعمالة والجهل، وإمّا في نطاق السَّفَه،  وسوء التصرف.

دفع الخليجيون ثمنًا لأخطاء الآخرين؛ وكأنها من صنعهم. ارتضَوْا الغُرْمَ ، ونادرا ما شاركوا في الغُنْم.. اعتقدوا أن الأشقاء الكبار هم الظهر الذي يستندون إليه، والمظلة التي تحميهم من طمع الآخرين، واعتدائهم، لكنهم اكتشفوا أن من استقوَوْا بهم، لم يكونوا قادرين على حماية أنفسهم، ناهيك عن حماية غيرهم.

أخذ أهل الخليج مما حققه أشقاؤهم، من سبْقٍ، في مجال التنمية أنموذجًا، ففتحوا قلوبهم لإخوانهم، واستعانوا بهم لاستنساخ تجاربهم ومحاكاتها، ليتبينوا بعد التجربة، أن ذلك الأنموذج لم يكن على مقاسهم، ولا يتناسب مع طموحهم وآمالهم. فبدأوا تجربتهم الخاصة التي أصبحت -ويا للعجب- أنموذجا لأولئك الأشقاء، الذين تبارَوْا دون جدوى، لمحاكاته والسير على منواله.

التجربة التنموية لم تكن هبة النفط، كما يحلو لبعض من يستسهل التفسير، أو من يلجأ للتأويل. فدول عربية أخرى كان لديها من الموارد النفطية، والقدرات البشرية، والإمكانات الطبيعية، ما يفوق أضعاف ما لدى دول الخليج، لكنها لم تفشل في الوصول إلى ما وصلت إليه هذه الدول فحسب، بل إنها لم تستطع -بسبب رعونة الزعامات، وضعف السياسات- أن تحافظ على ما كان لديها من قدرات، واستغلال ما يتوافر لها من إمكانيات.

اليوم يتبدل الزمان، وتتغير الأدوار، وتختلف المقاييس، والمعايير، فمن كانوا بنظر الآخرين صغارًا، كبروا واشتد عودُهم، وأصبحت لديهم تجربة يفخرون ويتباهَوْن بها، ويحرصون على الدفاع عنها.

ولأن الفترة التي تحقق فيها كل ذلك كانت قصيرة بمعيار الزمن، وكبيرة بمعيار الإنجاز، لم يستوعب الأشقاء العرب هذا التغيير وفوجِئوا به، وترددوا في التكيف معه.



ظنوا أن السياسات تصنعها الأحجام الجغرافية، والأمجاد التاريخية، التي لم تكن من صنعهم أو من إرثهم السياسي، فجعلوا من الجغرافيا والتاريخ سلاحًا يحاربون به الوافد الجديد، الذي يسعى لاقتسام حصته العادلة معهم، فتصدوا لأي تغيير في السياسات، أو أي تعديل للأولويات. عندما بدأت دول الخليج تطالب بموقعها الذي يتناسب مع دورها، ومع الأعباء التي تتحملها، استنكر كثيرون عليها تلك المطالب فوصموها بالعمالة للغرب، وبالاستقواء بالخارج، وتناسى هؤلاء أنفسُهم، تسابقهم المحموم للتقرب من الغرب، وتقبيل يده الممدودة لهم، لا الاكتفاء -فقط- بمصافحتها.

تناسى هؤلاء -أيضًا- أن الاستقواء بالخارج لم يعد حِكرًا على دول الخليج، بعد أن أصبح هذا الاستقواء سَداحَ مَداحَ، يتاح من خلاله لدول كبرى ودول إقليمية أن تعيث بسببه فسادًا في المنطقة، معيدة تشكيلها ورسمها، وفق خرائطها ورؤيتها.

دول الخليج عندما تأخذ المبادرة اليوم للدفاع عن مصالحها، أو من أجل إعادة رسم أولوياتها، تدرك أهمية عمقها الإقليمي والدولي، لكنها ترفض أن تظل هذه المصالح رهينة سياسات وقيادات ثبتَ فشلها وتَبيَّن زيفُها. وهي ناضجة بما فيه الكفاية، لاتخاذ قرارات وانتهاج سياسات، لا تكون -في مضمونها وشكلها- صدى لما يريده الآخرون، أوجزءًا من أجنداتهم، خاصة وأن تلك السياسات وهذه الأجندات، لم تكن تعبّر في معظم الأحيان عن مصالح وطنية حقيقية؛ بقدر ما كانت تعبّر عن مطامع شخصية، وحسابات حزبية.

من يستنكر التدخل الخليجي في مسار بعض الأحداث العربية الراهنة، عليه أن يدرك أن الزمن يتغير، وأن جيلا جديدا يطرق المستقبل، فيما شاخت القوى التي ظلت تحتكر القرار، مرة باسم الوطنية، ومحاربة الاستعمار، ودائما باسم الممانعة والتحرير .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com