ازدراء الأديان ...أم ازدراء مصر؟
ازدراء الأديان ...أم ازدراء مصر؟ازدراء الأديان ...أم ازدراء مصر؟

ازدراء الأديان ...أم ازدراء مصر؟

محمد بركة

بسبب مادة انتقامية غشومة بقانون العقوبات المصري تنص على أنه يعاقب بالحبس كل من يقوم بما يسمى " ازدراء الأديان " ، تم جرجرة عشرات الباحثين و الأدباء و المفكرين الى ساحات المحاكم و صدرت ضد بعضهم احكاما نهائية بالسجن بالفعل ! كان الباحث المجتهد اسلام بحيرى آخر ضحايا تلك المادة بسبب صرخته بأن بعض الفقهاء القدامى باتوا صنما يعبدون من دون الله ، ثم جاءت من بعده حاليا الشاعرة فاطمة ناعوت .

وبعيدا عن قائمة الضحايا وحقيقة قيمتهم المعرفية و الأدبية ، فمن الملاحظ أن هذه المادة التى تتخذها السلطة وسيلة للتنكيل بخصومها جاءت صياغتها شديدة العمومية و تتسم بالطابع الواسع الفضفاض ، فإذا انتقدت الخطاب الدينى لمشايخ السلفية فأنت تزدري الأديان ، و إذا اعترضت على فتوى عنصرية لابن تيمية فأنت تزدرى الأديان ، و إذا قلت أن التراث الفقهى الاسلامى بحاجة الى ثورة تصحيح و مراجعة لأن داعش و أخواتها يتخذون منه مبررا للذبح ، فأنت تزدري الأديان ! إذن الموضوع لا يتعلق بالاساءة للأديان فعلا ، و لكنه سيف يشهره بعض رجال الدين في وجه منتقديهم باعتبار أنهم يمثلون الإسلام وظل الله على أرضه - هكذا بكل وقاحة - و انتقادهم يعد عدوانا على الدين . و لا يتطلب الأمر سوى محام غاوي شهرة يحرك دعوى قضائية بسبب مشهد عابر بفيلم أو جملة حوارية مقتطعة من سياقها برواية ، فتقوم الدنيا و لا تقعد و يضمن السيد المحامى زيادة اتعابه عند الزبائن بعد أن أصبحت صورته تنشر بالصحف و يظهر ببرامج التوك شو !

تعمدت السلطة ألا يكون هناك تعريف محدد ، قاطع ، لهذا الاتهام و آثرت أن يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات تاركة للقاضي و حده تقدير إذا ما كان الأمر ازدراء أم ممارسة لحق النقد و حرية التعبير دون وصاية من كهنة المعبد الجدد .

لقد كان لهذه المادة المعيبة أصل ضعيف وغامض يطل على استحياء في قانون العقوبات المصري حتى جاء الرئيس السادات سامحه الله و أجرى عليها تعديلات تؤكد شرعيتها و تزيد من عقوبتها و تمنحها الصياغة بشكلها الحالى . فعل السادات ذلك في اطار مغازلته لجماعات الاسلام السياسى و حبه المزعومة على الشيوعية التى كانت في الواقع حربا على التيار الناصري ، و بضغوط من دوائر خليجية كانت لا تزال غاضبة من السياسات الاقليمية لمصر الناصرية .

و المفارقة المضحكة المبكية أن السيسي الذي طالب في شجاعة نادرة بثورة دينية تجدد الخطاب الدينى ، هو نفس الرئيس الذي في عهده تم ملاحقة العدد الأكبر من المفكرين و المجتهدين بهذه التهمة و على نحو لم يحدث بعهد سلفه الاخواني الذى كان مندوب الجماعة بقصر الرئاسة و خرجت ضده ثورة المطلب الواحد : يسقط ..يسقط حكم المرشد .

ازدراء الأديان هى تهمة تكشف في حقيقتها عن ازدراء مصر و تخرج لسانها لكل من يؤمن بالتنوير و التفكير الحر الخلاق . هى ارهاب فكري مقنن و تهديد لكل من يحاول الخروج عن منطق القطيع .و أخيرا هى دليل على ان دستور ثورة الثلاين من يونيو الذي نباهى الدنيا برقى مواد الحريات العامة فيه ، لا يزال حبرا على ورق ، و لم يتحول الى تشريعات قانونية بعد . تنص المادة السبعة و الستين من دستور البلاد الجديد على أن " حرية الابداع الأدبي و الفنى مكفولة و تلتزم الدولة بالنهوض بالفنون و الآداب و رعاية المبدعين و حماية ابداعاتهم . و لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية و الأدبية و الفكرية أو ضد مبدعيها إلا من عن طريق النيابة العامة و لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى او الادبي او الفكري " .

حسنا ..

أين ذهب هذا الكلام الجميل جدا ..

شخص ما شرير قال للشعب على الأرجح : أيها الحالمون بيوم سعيد ..لا تفرحوا فبعد كل مرشد يرحل ، يأتى مرشد جديد !

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com