داعش وعمى الألوان
داعش وعمى الألوانداعش وعمى الألوان

داعش وعمى الألوان

حكاماً ومحكومين، يطالنا "طرطوشه"، مما تفعله داعش وأخواتها في العراق وسوريا، وامتداداً في لبنان واليمن وليبيا ومصر، هذا ناهيك عن ساحات أخرى كان لها نصيب كبير مما فعلته التنظيمات المتطرفة، التي تلطت خلف الدين، وجعلت من نفسها وصية عليه.



زمان، وقبل أن يشتد عود تلك التنظيمات، كانت طموحات قوى التطرف قاصرة على لعب دور "السنيد" لبعض القوى الإقليمية والدولية.

أما اليوم فهي لا تريد دور البطولة المطلقة فقط، بل أن تكون الممثل الوحيد، الذي لايريد دوراً لأحد، أو شراكة من أحد.

والسنيد، لمن لا يعرف هو تعبير سينمائي، للدلالة على الممثل الذي يقف إلى جوار البطل، والمستعد للقيام بأي دور، فهو القوة الباطشة حيناً، وهو المهرج حيناً آخر، لكنه في كل الأحوال ضرورة من ضرورات العمل وجزء رئيسي فيه، ولا تكتمل فصول أي رواية إلا بوجوده ومشاركته.

في السياسة، لعبت التنظيمات الإسلامية بكافة أطيافها دور السنيد، المستعد للقيام بأي دور مهما كان صغيراً ومهما بدا هامشياً. وعلى مدى سنوات ظلت تكتفي بهذه المهمة، إلى أن أتيحت لها فرصة البطولة بعد أن تقاطعت مصالحها مع مصالح اليانكي الأمريكي في الفيلم الأفغاني الطويل الذي لا يزال عرضه مستمراً إلى الآن.

فبعد أن كانت مخلب قط للأمريكي في مواجهة المد السوفياتي، وعنصراً من عناصر مواجهة المشروع القومي، ما لبثت، أن وجدت لنفسها مكاناً في الصفوف الأولى بعد أن تم الزج بها في أتون الحرب الباردة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وبين الاتحاد السوفياتي وحلفائه من جانب آخر.

فقد تقاطعت في تلك الحرب، مصالح التنظيمات التي أسمت نفسها بالتنظيمات الجهادية، مع مصالح الرعاة، والممولين.

فالولايات المتحدة أرادت استنزاف الاتحاد السوفياتي والتعجيل بانهياره، في حين وجدت تلك التنظيمات في ذلك "الزواج المصلحي" فرصة للخروج من دور السنيد، إلى دور البطولة، ومن مكانة التابع، إلى مكان المتبوع.

ظنت الولايات المتحدة حينها أن إفغانستان، بفقرها، وعزلتها، وانغلاقها، ستكون عديمة التأثير، فلم تعر أي اهتمام لتنامي عدد التنظيمات الجهادية، التي فرخت بها، ولا طبيعة النظام المستبد، الذي تشكل فيها، بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي هناك، بل إنها كانت مستعدة لإقامة علاقات دبلوماسية معه وتقديم العون له.

لكن ما حدث بعد ذلك، جاء على غير التوقعات؛ فطالبان التي وصلت للحكم كانت الحاضنة لطموحات التنظيمات الجهادية التي لم تعد تقبل بدور السنيد، ولا حتى بدور الشريك، بل أرادت أن تكون القوة الإقليمية البديلة لكل القوى السياسية القائمة، سواء كانت من القوى التقليدية المحافظة أو القوى الليبرالية المتطلعة للتغير.

ولذلك لم يكن غريباً ولا مصادفة أن تطلق التنظيمات الجهادية على نفسها اسم القاعدة بعد أن وصلت للحكم، فهي تنفيذاً لتخطيط محكم، أو تحقيقاً لحلم بعيد، كانت تسعى إلى جعل أفغانستان قاعدة ومنطلقاً، تتمدد منها إلى دول ومراكز أخرى في محيطها الإقليمي والإسلامي.

وشكلت الهجمات التي تعرضت لها دول عربية مثل السعودية ومصر والجزائر، وغيرها، إرهاصات أولى لهذا الطموح، قبل أن توفر لها هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وما تلاها من احتلال للعراق، واضطراب في سوريا، فرصاً واسعة للتمدد خارج أفغانستان وبناء مراكز وفروع أخرى للقاعدة، أو تفريخ منظمات أخرى على منوالها.

تزايد تأثير القاعدة وما لف لفها، لم ينبه القوى المستهدفة، إلى أنها تواجه خطراً واحداً، فظلت تتعاطى مع هذا الخطر فرادى، أو بالقطعة، وحسب كل حالة على حدة .

وحالت التجاذبات بين القوى الإقليمية، دون الالتفات إلى حقيقة أن خطر هذه التنظيمات يطال الجميع، ويصيب الكل.

ولذلك فإن القوى الاقليمية بدلاً من التعاون فيما بينها لاجتثاث آفة الارهاب، باتت تستقوي بالمنظمات الإرهابية، وتقوم بتمويلها، وتسليحها والترويج لها، وتبرير أعمالها، لتصفية الحسابات فيما بينها، ولم تفطن إلى أن الاستقواء بالإرهاب سيرتد عليها يوماً، إلا بعد أن بات الإرهاب يدق أبوابها ويهدد كياناتها.

قصة الثور الأبيض، الذي ظن بقية الثيران، أن التضحية به، تنجيهم من افتراس الأسد، تتكرر اليوم في لبنان، وغيره من الدول العربية التي باتت جميعها، وإن تعامت وتغابت، وجبات جاهزة للإرهاب، الذي أصيب بعمى ألوان، فلم يعد يميز بين الأبيض والأسود، أو الأخضر واليابس، مهما كان التباين شديداً، والاختلاف واضحاً.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com