عام الكوارث والإرهاب
عام الكوارث والإرهابعام الكوارث والإرهاب

عام الكوارث والإرهاب

تاج الدين عبد الحق

يرحل عام 2015، غير مأسوف عليه. سيكتب عنه التاريخ أنه عام من الأعوام الفاصلة بين مرحلتين، وبين زمنين .

فهو العام الذي انفلت فيه الإرهاب من عقاله، ليعمل ذبحا وقتلا وتدميرا في كل اتجاه، وليتحول ذلك الإرهاب من حوادث  فردية هنا وهناك، إلى حرب عالمية يكتوي بنارها القريب والبعيد، ويتهدد معها مستقبل جماعات ودول، وتنهار أمامها الحدود، وتزال من ميادينها السدود، وترفع عن وسائلها القيود.

هو العام الذي بات فيه ذبح الإنسان، والتمثيل به، والتفنن بتصويره من مختلف الزوايا وبكافة الأبعاد الفنية، أقرب للممارسة اليومية التي لم تعد تثير ضميرا، أو تستفز مشاعرا. وتحولت بالتكرار، إلى مادة تسلية، ورسائل هاتفية، يتبادلها فرسان التواصل الاجتماعي تزجية لوقت فراغهم، أو وقودا لمعاركهم السياسية، وخلافاتهم الفكرية المذهبية والطائفية.

فيه بلغ التهجير، واللجوء مداه، شكلا ومضمونا. كان لجوءا بنكهة الموت الفعلي حينا، والمعنوي أحيانا. كان فرارا من الموت إلى الموت، ومن القتل إلى القتل.

ركب البعض قوارب الموت بحثا عن ملجأ آمن، لتقذف به بعد عناء على الشاطئ، أو تبتلعه أمواج البحر، أويتحول إلى طعام للأسماك.

عام جهاد النكاح، وعام السبي الذي بيعت فيه النساء والأطفال، في أسواق النخاسة، عيني عينك، كسلعة يطفئ بها المهوسون، نوازع الشر التي تحكم عقدهم النفسية وغرائزهم الجنسية المريضة.

هو العام الذي أصبحت فيه الطائفية والعنصرية والمذهبية، مفردات مقبولة في قاموسنا السياسي والإعلامي، نرددها بدون خجل، وندافع عنها بلا وجل، ونغذيها بكل الوسائل وبكامل الطاقات.

عام يعاد فيه تشكيل الحدود وتفصيلها وهندستها، حسب مصالح أطراف خارجية، أو على هوى رغبات محلية.

عام 2015 هو العام الذي انهار فيه تاريخ كامل تحت معاول الجهل، وقوى الظلام، لتطمس معه معالم تاريخ حضارات إنسانية، ولتمحى آثار تراث معماري، وفنون  هندسية، لم تفقد قيمتها وثراءها، رغم تقادم الزمن، ورغم عوامل الطبيعة.

هو العام الذي وقف فيه العالم بلا حيلة، وهو يشهد جهارا نهارا، أو عبر شاشات التلفزيون وفي الصحف والمجلات، عمليات النسف والتدمير لتراث إنساني كامل، في شمال العراق أو وسط سوريا وشمالها. تراث لا يقدر بثمن، ولا يمكن استعادتة بأي شكل .

العام الذي يوصد بابه الثقيل على مصائب لا تمحى، وكوارث لا تنسى، هو عام الفرصة الاقتصادية الضائعة، بعد أن تراجعت أسعار النفط من 140 دولارا وبدأت، بالانهيار التدريجي والمستمر، لتصل اليوم إلى أقل من السدس الذي كانت عليه في بداية العام المنصرم، وسط توقعات أن تصل الأسعار إلى أقل من عشرين دولارا في العام المقبل .

انهيار أسعار النفط إلى هذا المستوى سيكون تاريخا فاصلا، تؤرخ به أزمات اقتصادية واجتماعية لا تقتصر على الدول المنتجة للنفط فحسب بل على دول عربية أخرى يشكل النفط العربي عامل دعم مالي لها، وعنصر تشغيل لمواطنيها .

الأزمات الاقتصادية المتوقعة لن تكون أزمات اقتصادية بالمعنى المعتاد، والذي يأخذ في العادة، شكل دورات اقتصادية تتوالى صعودا وهبوطا، بل ستكون وقودا لتحولات سياسية واجتماعية حادة قد لا يكون من السهل احتواء آثارها وتداعياتها بسهولة.

فمعظم الأنظمة العربية ليس لديها من الإمكانيات ما تدفع به ضغوط الالتزامات التقليدية التي كانت تحفظ شعبيتها، أو وجودها، وستجد نفسها مضطرة إلى إجراء عمليات تغيير نوعي في تعاطيها مع المشكلات الاقتصادية ومع احتياجات التنمية الاجتماعية. وسيكون من أبرز أشكال التغيير المنتظرة التخلي عن سياسات الدعم التي كانت سمة من سمات مجتمع الوفرة، الذي لن نجده إلا في عدد محدود من الدول العربية، التي كان لها قصب السبق في إنشاء بنية تحتية متطورة، أوتأمين احتياطيات كافية للمستقبل سواء من خلال أموال سائلة أو استثمارات مختلفة.

وفي خضم الفوضى السياسية التي يغيب فيها النظام العربي، وفوضى السلاح، وتعدد المليشيات، وتناحر الأحزاب والقوى السياسية في المنطقة العربية، فإن الحلول التي يمكن الوصول لها إزاء بعض الملفات المتفجرة حاليا في بعض الدول العربية، لن تشكل وحدها أساسا للخروج من نفق الأزمة السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية، التي بدأ عالمنا العربي يستشعر خطرها، بل إننا قد نكون على أعتاب مرحلة أخرى، لا تكون أزمات الإرهاب والطائفية وتراجع الاقتصاد، إلا مدخلا من مداخلها، نحو نفق جديد لا يتبين أحد نهايته، أو إلى قرار لا زلنا بعيدين عن الوصول إليه.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com