سوريا.. الفصل بين الإرهاب والمعارضة
سوريا.. الفصل بين الإرهاب والمعارضةسوريا.. الفصل بين الإرهاب والمعارضة

سوريا.. الفصل بين الإرهاب والمعارضة

تاج الدين عبد الحق

لم يتضمن قرار مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية، أي جديد بشأن الحل السياسي، فجاء في مجمله تأكيدا لمقررات مؤتمر جينيف واللقاءات الأخرى بين الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة.

ويبدو أن القرار الأممي لم يجد صعوبة تذكر، في التوافق على آليات الحل، وعلى معظم البنود التي يدور حولها البحث في جولات التفاوض المقبلة، بما في ذلك مسألة تقليم أظافر النظام وتشكيل حكومة منتخبة ذات مصداقية.

التوافق في مجلس الأمن، هو في حقيقته توافق على الأولويات التي لم يعد من بينها بقاء النظام أو ذهابه، وقد جاء بعد وصول مختلف الأطراف إلى قناعة بأن الحل السياسي هو الحل الوحيد الممكن، وأن الحسم العسكري لم يكن له - أو لم يعد له - مكان في معادلة إقليمية ودولية بالغة التعقيد.

الأهم في قرار مجلس الأمن هو الجزء المتعلق بفك الارتباط والتشابك بين ما هو إرهاب وماهو معارضة، وهذا الأساس ضروري لتحديد إطار المفاوضات مع النظام، وضروري لتنقية الميدان من التنظيمات التي لا يمكن أن تكون شريكا في التفاوض، ولا يمكن أن تقبل كطرف في الحكم.

لكن مهمة فك الارتباط بالإرهاب ليست سهلة، وقد تتطلب تسويات وتنازلات سياسية من اللاعبين في الداخل والداعمين في الخارج، ولذلك فإن هناك من ينظر لها على أنها المهمة الأصعب في الاتفاق على بنود الحل وتفاصيله.

لكن القرار لم يسم صراحة من التنظيمات المتطرفة إلا داعش والنصرة، فيما ترك صيغة غامضة للتعامل مع تنظيمات أخرى كثيرة، تختلف القوى الإقليمية في التعامل معها، وفي توصيفها وتصنيفها.

ولتجاوز الخلافات حول من هو الإرهابي ومن هو المعارض، أفرد القرار الأممي مادة خاصة للتفاهم المشترك حول من يمكن أن يوصف بأنه تنظيم إرهابي، يتعين استبعاده، أو تنظيم معارض يمكن إشراكه في العملية السياسية المنتظرة.

وقد بدأت ارهاصات صعوبة التفاهم على من يكون ضمن هذه القائمة، عندما كلف الأردن أولا بإعدادها، قبل أن تنضم إليه روسيا وإيران وفرنسا بعد أن ظهرت صعوبة الاتفاق على قائمة مقبولة، عند عرضها على مجلس الأمن لإصدار قرار في شأنها.

وإعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية في سوريا كمقدمة تسبق التفاوض على الحل، لا يعني التمهيد للتفاوض بقدر ما يهدف إلى تقريب المواقف الإقليمية والدولية، والوصول بينها إلى قواسم مشتركة في التوصيف والتصنيف، بعد أن اختلط حابل من يقاتل الإرهاب بنابل من يقاتل النظام، وتشابكت المواقف بين من ينظر لهذا التنظيم كمعارض مقبول، أو إرهابي مرفوض.

والخلاف هنا ليس خلافا بسيطا، ويكاد يطال كل تفاصيل الأزمة وأبطالها الداخليين والخارجيين. فهناك خلافات بشأن توصيف الدور الذي يقوم به النظام السوري نفسه مباشرة كإرهاب دولة، أو من خلال مليشيات "جيش الدفاع الوطني" التابعة له، والتي يدين أفرادها بالولاء للنظام لأسباب طائفية ومذهبية أو لمصالح ومنافع ذاتية.

وهناك أيضا خلافات حول بعض التنظيمات الخارجية، التي تحارب في صفوف النظام والتي تصنفها دول إقليمية وأجنبية بأنها تنظيمات وجماعات إرهابية، مثل حزب الله اللبناني، وقوات من الحرس الثوري الإيراني، ومقاتلين أفراد من الأجانب، انضموا لصفوف المحاربين مع النظام، إما لأسباب طائفية، أوتحت دعاوى أيدولوجية ودينية.

في المقابل وبعيدا عن التنظيمات القليلة، التي يوجد توافق جماعي دولي على أنها مجموعات إرهابية كداعش والنصرة هناك عشرات من التنظيمات المعروفة وغير المعروفة، والتي تختلف التقييمات حولها والتقديرات بشأن دورها، وظروف إنشائها ومن يقف وراءها تمويلا وتسليحا.

هناك أيضا التحالفات والتداخلات بين مناطق نفوذ بعض التنظيمات، الأمر الذي يعقد فرص التوافق على قائمة موحدة تفصل بين من يؤخذ إلى التفاوض، وبين من سيكون هدفا للتصفية.

والتوافق على من يبقى معارضا في الميدان، وشريكا في التفاوض، هو توافق على طبيعة الحل ومداه. وبدونه ستستمر المراوحة، من خلال التنظيمات والقوى الموزعة في ولاءاتها، والمبرمجة وفق أجندات إقليمية أو دولية، لا تشكل معارضة النظام هاجسا رئيسيا لها أو بندا حقيقيا على جدول أعمالها.

فالتظيمات المسلحة في سوريا يقاتل معظمها بالنيابه، حتى وإن أنكرت، وهي ذاتيا، غير قادرة على الحسم حتى لو كابرت. وكل ما قامت وتقوم به في الداخل السوري هو في معظمه صدى لمواقف الآخرين، وخلافاتهم وحساباتهم. وسنجد أن توافقهم، سيكون بسرعة توافق الكبار وصدى لاتفاقهم.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com