الحرية ...سراب خادع في صحراء العرب
محمد بركة
قبل ما يقرب من تسعين عاما و تحديدا في العام السابع من ثلاثينيات القرن الماضي ، استمع أديب شاب تبدو على ملامحه علامات الوسامة و التمرد الى محاضرة تمزج بين العلم و الصوفية فلم يعجبه ما يقال . و جاء رده من خلال مقال شهير أصبح علامة في التاريخ الثقافي حمل عنوان " لماذا أنا ملحد ؟ " سرد فيه الأسانيد العلمية و الفيزيائية لإنكاره وجود خالق مؤكدا أنه سعيد ، قرير النفس ، مرتاح البال بإلحاده تماما كما هو حال المتصوفة مع ايمانهم . و لم يكتفى بنشر المقال المطول الذي يعد- بصرف النظر عن مضمونه الصادم - بحثا قيما في الأدب و العلوم و التاريخ بمجلة ذائعة الصيت و إنما عمد إلى طبعه في كتاب " تعميما للفائدة " كما جاء في المقدمة !
السؤال : كيف كان رد فعل المجتمع على الكتاب الذى جاء نشره بشهر رمضان المعظم ؟
هل تم إباحة دم الرجل ؟
هل تم قطع عنقه أو إرساله إلى المقصلة أو على الأقل سجنه وفي أضعف الايمان نفيه باعتباره كافرا يبارز الله و رسوله ؟
أبدا ...............!
عالم أزهري من الثقاة هو الدكتور محمد فريد وجدي رد على الكاتب الشاب اسماعيل أدهم بمقال جاء بنفس المساحة و على صفحات نفس المجلة حمل عنوان " لماذا هو ملحد ؟ " حمل تفنيدا لكل الاسانيد التى ساقها المؤلف الشاب تبريرا لموقفه المفزع لمجتمع غالبيته من البسطاء الاميين . ثم استكمل الرد الأديب الكبير د. أحمد ذكى أبو شادي بمقال تحول لاحقا هو الآخر الى كتاب يسمى " لماذا أنا مؤمن ؟ " جاء فيه أنه نشر رد د. وجدى بالمجلة عملا بحرية التعبير و ايمانا منه بأننا بإزاء معركة تفيد الحياة الثقافية . و الآن بعد مرور كل هذه السنوات من معركة مصرية واعدة بحرية ستغمر العرب شواطيء العرب مثل شمس فى ظهيرة أغسطس ، درات الأيام دورتها و انتكسنا على أعقابنا كما هى هوايتنا المفضلة دوما . حكم مزلزل بالإعدام على شاعر بسبب بضعة أسطر في قصيدة مطبوعة بديوان شعر في زمن لا يكترث فيه قراءنا بالقصائد و لا يوزع أعظم الدواوين سوى ألف نسخة بعد سنوات من صدوره ! حدث هذا مع الشاعر أشرف فياض الذى اتهمته السلطات بدولة خليجية يقيم بها بالكفر الصريح نتيجة تفسير متعسف لأسطر معدودة. دولة لا يعنينى هنا تسميتها ، فكلنا في الهم شرق أو عرب ، و كلنا نرفع شعار : لا تعايرنى و لا أعايرك ...الارهاب الفكري طايلنى و طايلك !
من هنا جاء حماسي لتلبية دعوة الشاعرة المغربية الجميلة نجاة ياسين - مؤسسة المنتدى العربي الأوربي للابداع ببلجيكا - للمشاركة في أمسية خاصة ضمن أنشطة الصالون الثقافى لبروكسل حملت عنوان " الحرية لأشرف فياض " بمشاركة العديد من المبدعين و الحقوقيين منهم سعيد العمرانى و محمد بداح و سيف الألوسى ووائل البدرى و غسان الألوشى . تحدثنا كما شئنا ، فالحرية هنا بأوروبا حيث نقيم جميعا متاحة على الأرصفة و بالمقاهى حتى لو كانت نسبية و ضمن حدود ، لكن قلبي كان معلقا هناك حيث الصحراء البعيدة والسراب المخادع !
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز