كم ستربح أنقرة؟
كم ستربح أنقرة؟كم ستربح أنقرة؟

كم ستربح أنقرة؟

يوسف ضمرة

تبدو تركيا عير مهتمة بمستقبل المنطقة، سواء نشبت حرب كونية ثالثة بسببها، أم لم. أو ربما كانت تدرك جيدا أن كل ما تفعله لن يؤثر في السياق العام لمجرى الأحداث، طالما أصبح حل الأزمة السورية مرهونا باتفاق أمريكي روسي.

حين دخلت روسيا بقوة ـ عاصفة السوخوي ـ على خط الأزمة السورية مباشرة، خيل إلى كثير من المتابعين أن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا، لكي تضع روسيا وحلفاؤها على الأرض حدا لشلال الدم السوري. لكن الفورة الأولى لعاصفة السوخوي، لم تستمر على إيقاعها. فبعدها حصلت فينا والرياض ونيويورك على الطريق، ولا نعرف ما هي المدن اللاحقة.

لم تقل أمريكا شيئا ضد عاصفة السوخوي، إلى الحد الذي جعلنا نتخيل أنها سلمت المفاتيح كلها لموسكو. لكن كان لأنقرة دور لم يكن في البال. فهي ليست من الدول التي تلعب وحدها، حتى وإن بدت أحيانا كذلك. فلا هي صاحبة قرار في إسقاط القاذفة الروسية، ولا هي صاحبة قرار في إدخال أكثر من ألف جندي إلى العراق. إنها باختصار، تنفذ ما يمليه البيت الأبيض، لأن لديه الكثير ليفعله ويبني عليه.

هل وُعدت تركيا بالقبول في الاتحاد الأوروبي؟ لا نظن. بل يمكن القول إن كل ما تقوم به هو رد على هذا الاتحاد، الذي كما يبدو قرر بشكل نهائي عدم قبول تركيا في عضويته، فوضعت بيضها كله في السلة الأمريكية.

هل قامرت تركيا هنا؟ هل حسبت حساب آسيا الوسطى والاثنيات وإيران ذات التأثير الكبير على جزء كبير منها؟ أم إنها تراهن على معاهدات الملاحة الدولية في البوسفور وما يتركه ذلك من آثار سلبية على روسيا؟ هل فكرت أن إلغاء معاهدة الملاحة تشبه من حيث الشكل رد فعل الكيان الصهيوني على إغلاق مضائق ثيران؟

الكل يعلم أن الشرق كله لم يعد أولوية أمريكية، لكن هذا لا يعني أن أمريكا سلمت هذا الشرق بقضّه وقضيضه إلى موسكو، أو حتى إلى باريس ولندن اللاهثتين وراءها ككلاب الصيد التي تتمسح بسيدها. لكن تغير الأولويات يجعل السياسة الأمريكية كلها تقوم باستدارة قصيرة، وربما طويلة بعض الشيء، طالما ظلت قادرة على رؤية ما يحدث، والتأثير فيه.

هل هذا هو الدور التركي؟ ربما. فليست تركيا غبية إلى الحد الذي يجعلها تفتعل المشكلات مع جيرانها كلهم، ما لم تكن واثقة من ثمن ما ستقبضه في النهاية. ليس من مصلحة تركيا تصعيب الأمور على ذاتها بإفساد علاقاتها مع روسيا وسوريا وإيران وربما الصين لاحقا، بعد أن كانت تحظى بعلاقات طيبة جدا مع هؤلاء جميعا. فلماذا تقوم بكل ما تقوم به، إن لم يكن بالنيابة عن سيدتها واشنطن؟

هل ستربح تركيا اعترافا أمريكيا وربما أوروبيا بقبرص التركية؟ هل تتمكن من أن تصبح مفتاح الغاز القطري إلى أوروبا؟ هل وهل؟

أسئلة كثيرة تطرح نفسها تلقائيا جراء سلوك أنقرة في الآونة الأخيرة. صحيح أن أنقرة كانت منذ اليوم الأول مع رحيل النظام السوري، لكنها كانت "جعجعة بلا طحن" إلى أن بدأت عاصفة السوخوي؛ هنا اختلفت الحال، فقلت الجعجعة، وربما نرى طحنا على الضفة الأخرى للنهر لاحقا، إن كانت واشنطن وعدت بذلك.

من البديهي القول الآن، إن كل ما سيأتي من مؤتمرات، بعد الرياض، سيكون سحابات صيف ليس أكثر. فلا قائمة الرياض، ولا معارضة دمشق، ولا معارضة الخارج بعيدا من الرياض، كلها قادرة على تغيير المعادلة. وهو ما تعرفه موسكو جيدا، وتعرف أن واشنطن في نهاية المطاف سوف ترسل قواتها إلى سورية، للتفاوض لا للقتال. أي إن هاتين الدولتين تسلم الواحدة للأخرى بحصتها مسبقا، ويبقى الخلاف على التفاصيل. أما فرنسا وبريطانيا فهما ستخرجان "من المولد بلا حمص"، وتظل حصة تركيا! من دون أن ننسى ضمانات للكيان الصهيوني بعدم المساس في ميزان القوى، الذي كان مختلا في الأصل، فما بالك الآن؟

ستحل الأزمة السورية عاجلا أو آجلا، وسيكون الخاسر الأكبر سورية والقضية الفلسطينية. ومخطئ من يظن أن تنحي الأسد منذ البداية كان سيجنب سورية كل هذا الخراب، لأن مصلحة الكيان الصهيوني، وحل القضية الفلسطينية، لا يستقيمان بوجود سورية قوية متماسكة!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com