قطر بين غضب إسرائيل وعتبها
قطر بين غضب إسرائيل وعتبهاقطر بين غضب إسرائيل وعتبها

قطر بين غضب إسرائيل وعتبها

كان يمكن أن تؤخذ التصريحات الإسرائيلية، التي اتهمت قطر بأنها ترعى الإرهاب وتموله، على أنها غضب إسرائيلي بالفعل. لو أن هذا الغضب لقي صدى إعلاميا أو دبلوماسيا، في الدوائر الغربية التي اعتدنا أن تنتصر لتل ابيب في كل شأن خاص بإسرائيل، حتى ولو من باب "إذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضابا".



وكنا نقبل أن تكون تلك التصريحات غضبا فعليا، لو لم تكن هناك شواهد ودلائل، وتاريخ طويل من العلاقات السياسية والدبلوماسية وإلإعلامية بين قطر واسرائيل، التي تضبط إيقاع العلاقات بين الجانبين، وتمنع أي تطور سلبي فيها.

وكنا نقبل توصيف التصريحات الاسرائيلية بالتصريحات الغاضبة، لو أنها لم تكن انتقائية إلى هذا الحد. فقطر لها سجل طويل في دعم الحركات المتطرفة بدءا من تلك التي تعيث فسادا في سوريا والعراق، ومرورا بمن يحول ليبيا إلى ميدان لصراع المليشيات، وانتهاء بقطر نفسها التي أصبحت قاعدة لجماعة الإخوان المسلمين المطلوبة عربيا لأكثر من دولة.

أما وإن الأمر غير ذلك كله، فإن التصريحات الإسرائيلية هي من نوع العتب الذي لا يفسد للود القائم قضية، ولا يغير ثوابت السياسة القطرية التي كانت أول من تجرأ على كسر الحواجز مع إسرائيل، دون أن يكون لذلك مبرر سياسي أو مسوغ أخلاقي.

والعتب الاسرائيلي في حالة قطر له فائدة، لا تقل عن فائدة الرضا. فهو يخدم مسعى قطر الذي بدأته منذ عقدين تقريبا من أجل أن يكون لها دور إقليمي ومكانة دولية. وقد وظفت الدوحة في سبيل ذلك المليارات التي تنوء خزائنها بحملها.

القطريون يعلمون أن شيئا من العتب، حتى لو كان بنكهة الغضب، لا يضر بل إنه قد يسهم في تجميل الصورة، ويبرز الطابع المتوازن للسياسة القطرية، ويوحي بأن هذه السياسة تتحرك بوحي التزامات أخلاقية أو قانونية، وليست تعبيرا عن طموحات قطرية ضيقة.

قطر في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدبلوماسية محكومة بفكرة أنهم – كما يردد الخليجيون – قوة عظمى . فالقطريون وإن لم تسعفهم الجغرافيا، ولو لم يتوقف عندهم التاريخ، لديهم مقومات مادية تجعلهم يعتقدون أن من حقهم الجلوس في مصاف الكبار، واللعب معهم رأسا برأس، وقد تصرفوا منذ أن هبطت عليهم بركة السماء، وأمدتهم بموارد ملأت خزائنهم، على هذا الأساس وأصبح لهم قرص في كل عرس، فهم وسطاء في النزاعات الإقليمية خاصة تلك التي تسلط عليها أضواء إعلامية، وهم شركاء في نزاعات أخرى تمويلا وتحريضا، لا لشيء إلا إرضاء لغرور، أو رغبة في الظهور.

الحالة القطرية، تذكر برواية للدبلوماسي الاردني المحنك الدكتور حازم نسيبة الذي كان وزيرا للخارجية الأردنية عدة مرات، ومندوبا دائما للأردن في الامم المتحدة أكثر من مرة، حيث قال لي ذات مرة أنه كان يعمل عند وقوع النكبة الفلسطينة عام 1948 في إذاعة الشرق الأدنى البريطانية، وأنه بخلاف ما كان يظن هو وغيره من العاملين العرب في الإذاعة، لقي هو وزملائه من الفلسطينيين موقفا متعاطفا من مدير الاذاعة البريطاني في ذلك الوقت، وانه كان يحضهم على رفع سقف خطابهم الحماسي في الكشف عن المجازر التي كانت ترتكبها العصابات الصهيونية في الحرب التي تلت إعلان بريطانيا الانسحاب من فلسطين، تنفيذا لقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة ، في عام 1947.

وكان مدير المحطة البريطاني، يزودهم بتقارير عما يرتكبه افراد المنظمات اليهودية المسلحة من فظاعات، ويقول الدكتور نسيبة، إنه أدرك بعد فوات الأوان، أن الأوصاف التي كانت توصف بها تلك الفظاعات، وإن كانت تؤجج المشاعر الوطنية عند المقاومين، إلا أنها من جانب آخر كانت كفيلة بإثارة الرعب بين المدنيين الفلسطنين الذين لم تكن العصابات الصهيونية قد وصلت إلى قراهم أو مدنهم، مما جعل كثيرا منهم يفرون ويتركون بيوتهم ، لتدخلها تلك العصابات بدون مقاومة تذكر.

نذكر هذه الرواية، لنقول أن كل ما يلمع ليس بالضرورة ذهبا، وكل غضب أو عتب لا يؤخذ على عواهنه، وكل تعاطف دبلوماسي أو سياسي لا يؤخذ بظاهره، فوجه القمر المضيء، يخفي في الجانب الآخر وجها مظلما موحشا. وقطر التي تعتب إسرائيل عليها-أو تغضب لا فرق- بسبب دعمها لحركة حماس لا يتسق موقفها من الحركة مع موقفها العام، وهي في أحسن الأحوال تتحرك بدافع تصفية حسابات إقليمية، تضعها اليوم في هذا الخندق لتكون في اليوم التالي في الخندق المقابل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com