مؤتمر الفكر واشكالية التكامل العربي
إميل أمين
وقت ظهور هذه الكلمات للنور تكون اعمال مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الرابع عشر قد انطلقت في القاهرة تحت عنوان " التكامل العربي .. تحديات وافاق " والذي يشارك فيه زبدة مفكري العالم العربي من الانتلجنسيا النهضوية الحقيقية ، واغلب الظن ان السؤال الذي سيتردد :" لماذا فشلت فكرة التكامل بين العرب سيما وانها طرحت قبل فكرة السوق الاوربي المشترك الذي قاد الى الاتحاد الاوربي كما يبدو الان ، مع الاخذ بعين الاعتبار الخلافات البنيوية الحقيقية بين الاوربيين من لسانيات مختلفة ، وعداءات وحروب اتصلت حتى وقت قريب جدا وبلغت قمة الماساة في الحرب العالمية الثانية ، في حين يبقى العرب امة واحدة ولسان واحد ودين واحد ، ومع ذلك يبقى الحديث عن التكامل هو حديث " الفرص الضائعة "؟.
انها حقا علامة استفهام مثيرة وتحتاج الى تضافر جهود علماء السياسة والاجتماع معا للتوصل الى جواب شاف واف لها ، وللبحث في اسباب الاخفاق ومن ثم قطع الطريق على تكراره من جديد .
يعن لنا ان نتساءل هل اللحظة الانية على اضطرابها عربيا واقليميا ودوليا هي لحظة مواتية لاستنهاض فكر التكامل بين العرب ؟
الشاهد ان الاصحاء لا يحتاجون الى طبيب بل ذوي الاسقام ، والناظر بعين التحليل والتفكيك الايجابيين لا المخربين يدرك تمام الادراك مقدار العلل التي اوهنت الجسد العربي ، وفي المقدمة منها فيروس الارهاب ، طاعون القرن الحادي والعشرين ، والذي لم تسلم منه دولة عربية حتى الساعة .
هل يفهم من هذا الكلام ان اول مجالات التكامل لابد وان تكون تكاملا امنيا معلوماتيا استخبارتيا لملاقاة الاسوا الذي لم يات بعد ؟
قد يكون ذلك بالفعل مجال جيد ونافع للتعاون والتكامل من حوله ، لكن هناك ما يجب ان يتقدم في ساحة التكامل ، انه التبادل المعرفي والثقافي ، الذي يقود لسيادة منظومة فكرية ان لم تكن واحدة فعلى الاقل متقاربة بشكل تجمع عليه الامة من المحيط الى الخليج .
هل يعلم القارئ كيف بلور الاوربيون وحدتهم ؟لقد بدات الفكرة اقتصاديا بما يعرف باتفاقيات الفحم، ومنها بلغوا ما هم عليه الان من اتفاقية " الشنجن " رغم ما يتهددها في السنوات الاخيرة من خلافات ؟
ولعل المثير للدهشة ان الحديث عن التعاون الاقتصادي العربي قد بدا في اواخر الاربعينات من القرن المنصرم وفي وقت كانت الدماء الاوربية تلوث الايادي في القارة العجوز .
هل نحن أمة اتفقت على ان تختلف ؟
يخشى المرء من ان يكون ذلك كذلك قولا وفعلا ، والا فماذا جرى لاتفاقية الدفاع المشترك ؟
قد يقول قائل عفا الله عما سلف ، ونحن ابناء اليوم ، والحياة لا تقيم في منازل الامس على حد تعبير جبران ، ونحن معه ، لكن السؤال المزعج والمحير :" كيف فشل السعي العربي في الاشهر الاخيرة في تشكيل قوة الدفاع العربي المشترك لمواجهة سلاسل الارهاب من قاعدة وداعش وجبهة نصرة وبقية المجموعات التي لم ينزل الله بها من سلطان ؟ ثم وهذا هو المر في الطرح الذي نحن بصدده :" هل ادمن العرب الاستجارة بالغريب عوضا عن توحد الصفوف العربية وتلاحمها في وسط المحن وفي مواجهة عوادي الازمان ؟
المؤكد انه لن يستقيم حديث التكامل العربي دون موجه اعلى له من الصلاحيات ما يكفي الزام العرب جميعا بهذا النهج ، وهو الزام لا يستقيم بالقوة العسكرية بل بقدرات العقول والايمان بوحدة المصير ، والعمل على ضبط المسافات مع العالم من حولنا .
لن يستقيم حديث التكامل دون بوتقة انصهار تجمع الشباب العربي فكريا وذهنيا ، وعبرها تذوب القوميات والعرقيات في رؤى موحدة تجمع ولا تفرق ، تشرح ولا تجرح ، وقد تكون البوتقة جامعة عروبية نهضوية ذات مناهج عامة تقفز على صراع الاصوليات وتخرج بنا من ضيق الايديولوجيا الى رحابة الابستمولوجيا .
يسعى المجتمعون في بيت العرب الكبير " جامعة الدول العربية " الى ان يكون المؤتمر هذه المرة فاعلا وناجزا وبخاصة في ظل مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الجميع ، وهذا امر يقتضي دورا اعلاميا رائدا في طرح القضية بموضوعية وتجرد ونوايا ايجابية في داخل الاوطان .
لن يبقى الطوفان احد ، حال المزيد من التشرذم والتفكك ، فهل يدرك العرب خطورة اللحظة الراهنة ويقتنصونها ، حتى وان جاء الامر في الساعة الحادية عشرة .
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز