كندا والعرب ...  الانفتاح والمسؤولية
كندا والعرب ... الانفتاح والمسؤوليةكندا والعرب ... الانفتاح والمسؤولية

كندا والعرب ... الانفتاح والمسؤولية

إميل أمين

هل يتحتم على العالم العربي أن يفتح أعينه بشكل إيجابي على كندا لا سيما بعد التغيرات السياسية المهمة والجذرية التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي ألقت إلى قارعة الطريق التيار المحافظ الأصولى بقيادة ستيفن هاربر واحلت محله الشاب "جاستن ترودو " الذي يمتلك على ناصية أمل حقيقية غير مغشوشة؟

يبدو ان ذلك كذلك بالفعل، فبعد عشر سنوات من قيادة التشرد اليميني الداخلي ، ها نحن نرى ما يشبه كندا جديدة، سئمت من طقوس وشعائر يمينية وصفها رئيس الوزراء الكندي السابق "جان كريتيان" بأنها دمرت سمعة كندا التي بنتها لأكثر من ستين عاما كدولة محبة وبانية للسلام والتقدم.

يستلفت النظر التشكيل الحكومي الجديد لـ "ترودو"، حيث نرى لاجئة ذات أصول أفغانية "مريم منصف" يتم تعيينها كوزيرة للمؤسسات الديمقراطية لتضحى بذلك أول وزيرة مسلمة في تاريخ كندا وللمرة الأولى يصبح كندي من أصل هندي "سيخي" "هارجيت سينغ" وزيراً للدفاع ...

قد تحمل التعيينات الجديدة هذه الكثير من الأخبار السارة للكنديين ، لا سيما الفئات المهاجرة من الشرق الأوسط والعالم العربي وشرق آسيا بنوع خاص ، والتي شعرت في أعوام هاربر الأخيرة بحالة من حالات الإقصاء ، والنظرة الدونية، التي لا تخلو من مسحة دوجمائية، تزخمها ظاهرة الإسلاموفوبيا.

الأمر الذي يهم العالم العربي هو مسار السياسات الكندية الجديدة فيما يخص الشرق الأوسط ، فمن المعروف أن حكومة المحافظين في كندا كانت تميل ميلاً واضحاً بل ومغالي فيه أحياناً لأسرائيل، ومع "ترودو" يبدو واضحاً أن الأمر لن يكون على هذا المنوال.

في تصريحاته لراديو كندا يؤكد وزير الخارجية الكندي الجديد "ستيفان ديون" على أن إسرائيل دولة حليفة لبلاده، لكن "نحن بحاجة إلى تعزيز علاقاتنا مع الدول الأخرى في المنطقة ، مثل لبنان ودول أخرى".

ينطلق "ديون" من نظرة يمكن أن نسميها "نرجسية مستنيرة" أو "براجماتية واقعية" ، بمعنى أنه كي نكون مفيدين لإسرائيل ، ينبغي أن ننفتح على العالم العربي بكافة دوله ...

تسعى كندا الجديدة بقيادة ترودو لأن تصبح "وسيطاً نزيهاً في الشرق الأوسط" ، وربما نشهد لها دوراً فاعلاً على صعيد القضية الفلسطينية، فقد هاتف "ترودو" "بنيامين نتانياهو" مخبراً إياه بأنه ستكون هناك تغيرات في اللهجة ، ولكن ستستمر كندا في ان تكون صديقة لإسرائيل ..

هل بدأت رياح كندا الجديدة في إزعاج إسرائيل؟

على الرغم من أن "ديون" صديق حقيقي لإسرائيل ، فإن الأصوات الأقل ودية بحسب تعبير البروفيسور الإسرائيلي "جيرالد ستانبرج " أستاذ العلوم الساسية في جامعة بار إيلان ومراقب السياسة الكندية ، سوف تؤثر على عمق العلاقات الكندية ـ الإسرئيلية.

حكما ليس دورنا هو تأليب دولة على أخرى ، فهذه سياسة حتماً منقوصة ، إنما المهارة الحقيقية تتجلى في إقتناص الفرصة سياسياً بإيجابية ، تعلو فوق الحفر و دق الأسافين، بل تسمو إلى إيضاح الحقائق، وبلورة أصل الصورة وإظهار أبعاد المعاناة الحقيقية ، فيما يتصل بكافة قضايا الشرق أوسطيين والتي تتلاعب بها رياح الأهواء الغربية منذ سنوات.

تخطط كندا كي تكون دولة حاضنة للاجئين السوريين بنوع خاص ، ورئيس وزراءها الجديد يعلن عن استقبال بلاده مطلع العام المقبل لنحو خمسة وعشرين ألف لاجئ سوري وعنده أن على الكنديين التصرف بشكل مسؤول وفاعل وقد اختاروا إعطاء تفويض للانفتاح والمسؤولية ...

ليست كندا بلد صغير أوربى أو عالم ثالثي ، بل أنها إحدى الدول الصناعية السبع الكبار ، ودولة نفطية بامتياز وقريب منها ستكون المواجهة العالمية القادمة حول ثروات القطب الشمالي المتنازع والمتشارع عليها بين موسكو وواشنطن وعليه فإن علامة الاستفهام "هل من أجندة عربية استشرافية لتعظيم فرص الربح من تيار سياسي كندي جديد ، يسعى للمصالحة التاريخية مع العالم الخارجي ولديه نظرة إنسانية للعرب والمسلمين؟

حكماً سنرى حركة دؤوبة من قبل إسرائيل لتغيير مجريات الأحداث في كندا، وعليه يتحتم وبنوع من أنواع لعبة الشطرنج الإدراكية، استباق الأمر بالتواصل مع صناع القرار الجديد في "أوتاوا" لإحداث أكبر قدر من التأثير الإيجابي على رؤيتهم تجاه قضايا العالم العربي، وقد تكون هذه مهمة ضمن مهام عديدة لجامعة الدول العربية.

العالم يتشكل من جديد ، والبقاء للأقوى ، الأقوى ذهنياً ، لأصحاب الرؤى المبكرة، لمن يستشرف مآلات الأحداث ، وهو ما أهملناه طويلاً عربياً وها نحن من أسف ندفع فاتورة هذا الإهمال .. هل تضيع فرصة التعاطي الإيجابي والخلاق مع الكنديين الجدد؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com