درس سقوط الطائرة الروسية
درس سقوط الطائرة الروسيةدرس سقوط الطائرة الروسية

درس سقوط الطائرة الروسية

رغم أن احتمال أن يكون سقوط طائرة الركاب الروسية ناتجا عن عمل إرهابي، هو احتمال ضعيف، أو أنه غير صحيح أساسا، فإن مجرد طرحه كسبب ممكن، يدل على أن روسيا أصبحت هدفا من أهداف العمليات الإرهابية العشوائية التي يمكن أن تحدث في المنطقة.

ومع أن رصيد بنك الأهداف الروسي، التي يمكن أن يستهدفها الارهابيون، رصيد محدود، إلا أن روسيا باتت، لأول مرة، في مواجهة مختلفة عن المواجهة الميدانية، التي تخوضها في سوريا اليوم أو تلك التي خاضتها بالأمس في أفغانستان.

فروسيا، التي حرصت على توفير مظلة سياسية لدعم نظام دمشق، لا تواجه التنظيمات التي تحاربها في الميدان، بل تواجه، أيضا، طيفا واسعا من المعارضين، لوجودها ودورها في سوريا وخارجها.

ومع أن هذه المعارضة، في معظمها، هي معارضة سياسية، إلا أنها تجعل الوجود الروسي في عموم المنطقة وجودا حساسا حتى لو لم يكن ذلك مرتبطا بالتدخل في سوريا.

هذه الحساسية خبرناها في علاقة الولايات المتحدة بدول المنطقة، حين كان أمن مصالحها، وأمن مواطنيها المقيمين أو العابرين يتأثر بكل موقف سياسي، وأي توتر أمني.

روسيا ظلت بعيدة، إلى حد كبير، عن مثل هذه المخاطر، إما لأن وجودها وتدخلها كان وجودا وتدخلا محدودا، أو لأنها كانت تملك رصيدا شعبيا، خاصة إبان الحقبة السوفيتية، بسبب مواقفها المؤيدة "نسبيا" للقضية الفلسطينية، وهي مواقف استثمرتها لنسج علاقات لا مع الأنظمة والمؤسسات الأمنية الرسمية فقط، بل مع تنظيمات وقوى سياسية لها قواعد شعبية مكنتها، دائما، من أن تكون على علم أو على تماس مع المخاطر الأمنية الخفية، التي يمكن أن تتعرض لها.

لكن العالم تبدل اليوم، فحلفاء موسكو في المنطقة تبدلوا أو شاخوا، ولم يعد لهم تأثير، والقوى والتنظيمات الصاعدة في المنطقة لها ثأر قديم مع روسيا، يمتد إلى أيام غزوها لأفغانستان، ويمر بمعاركها في الشيشان، وينتهي بدعمها للنظام في سوريا.

تحالفات موسكو أيضا تبدلت، وأولوياتها اختلفت حيث تراجعت معها الأيديولوجيا، لتحل مكانها المصالح، وتقدمت الدبلوماسية المباشرة على قنوات الاتصال الخلفية، التي كانت تديرها الأجهزة الأمنية والحزبية الروسية، وتقدمت علاقاتها مع الأنظمة على علاقاتها مع الأحزاب والتنظيمات، لتفقد موسكو ميزة طالما تمتعت بها وحمتها من عمليات إرهابية كتلك التي تعرضت لها مصالح الولايات المتحدة وجعلتها تدخل دوامة من الحروب ضد تنظيمات وقوى متعصبة، وحّدها العداء لواشنطن حتى لو فرقت بينها الأسباب.

وعندما يستعجل تنظيم داعش الإعلان عن تبنيه مسؤولية إسقاط الطائرة الروسية في شرم الشيخ المصرية، فإنه يعلم أن مثل هذه العملية، حتى لو كانت مرفوضه، تتيح له قطف ثمار بذرة لم يزرعها. فالعملية، حتى لو لم تكن من صنعه، تجد من يهلل لها في كواليس القوى السياسية المعارضة للتدخل الروسي في سوريا، حتى وإن كانوا من معارضي داعش.

ومن يحمّل موسكو مسؤولية سقوط الطائرة، فيما لو صح أنها نتاج عمل إرهابي، يفعل ذلك لكسب سياسي على اعتبار أن ما حدث، حتى وإن كان مرفوضا ومدانا، هو من قبيل ردة فعل على التدخل في سوريا لا أكثر.

لا يكفي روسيا أن تطمئن لرفض دول المنطقة وشعوبها للإرهاب وممارسات التنظيمات المتطرفة، ولا يكفي أن تعلن أن تدخلها في سوريا يستهدف عدوا مشتركا هو التطرف والمتطرفين، بل لا بد أن تصغي للأصوات البعيدة التي تنظر لما تقوله روسيا بشأن الإرهاب باعتباره ذريعة لا أكثر، لتبرير تحالفها مع نظام ديكتاتوري قمعي، ومحاولة لتوفير إمكانيات الحياة والاستمرار له.

وما لم تكن موسكو مستعدة لتقديم ما يؤكد مصداقيتها في محاربة الإرهاب، فإن وجودها في المنطقة سيظل عرضة للخطر، ومصداقية الحرب على الإرهاب تكمن في عدم الكيل بمكياليين، فملة الإرهاب ملة واحدة، سواء قامت به تنظيمات من طراز داعش، أو نظام مثل نظام الأسد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com