المثلية وحوار الثقافات (1)
المثلية وحوار الثقافات (1)المثلية وحوار الثقافات (1)

المثلية وحوار الثقافات (1)

وئام غداس

ما يزال الجدل دائرا في تونس حول قضية الشاب المثليّ مروان والذي حُكم بسنة سجن لاكتشاف رجال الشرطة عبر الصدفة وحدها وبناءا على اعترافاته أنه مثليّ Homo، القصة بدأت هكذا جريمة قتل تكشف بعض الخروقات الأخلاقية الأخرى، القصة إذن كانت أن شابا وجد مقتولا، بدأ التحقيق في القضية وراح الأمن يستنطق أشخاصا من محيطه ومعارفه، من بينهم مروان وبتفتيش هاتف هذا الأخير المحمول عثروا على رقم المقتول من ضمن قائمة المتصلين وبالتفتيش أيضا وجدوا عددا من الرسائل النصية، هذه الرسائل كانت مريبة أي أنها لا يمكن أن تكون مرسلة من ذكر إلى ذكر آخر، بالإصرار على سؤاله يعترف أن علاقة "غرامية" كانت تربطه بالضحية وأنهما يمارسان اللواط معا منذ فترة، تقرر الشرطة إحالته على الطبيب الشرعي الذي أكد ذلك ومن ثم إلى المحكمة التي أصدرت بشأنه الحكم بناءا على الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية والذي يقضي بتجريم المثلية الجنسية وأن عقوبتها السجن.

تراوحت ردود الفعل بين رافض وموافق، وذهب البعض أن مزيد ومواصلة العمل بهذا الفصل ليس إلا نقضا لأحد فصول الدستور التونسي الذي يكفل حرية الفرد الجنسية، وبالتالي دعوا للإفراج عن مروان من ناحية ومن ناحية أخرى لإلغاء هذا الفصل، في المقابل ثمة من تمسك بالفصل وأصرّ على ضرورة قمع وعقاب الشذوذ الجنسيّ، أبرز من تمسك بالفصل رئيس الدولة التونسية الذي رفض رفضا قاطعا إلغاءه، هذه التباينات في ردود الفعل بديهية لكن كم يبدو من الشاق فهم واستيعاب والتعايش مع زوجين ذكرين أو أنثيين!

تخلص الغرب من رهاب المثلية الجنسية، ولم تعد مسألة إشكالية داخل المجتمعات، انتهى الحوار بشأنها ومروا إلى مرحلة أخرى في التعامل معها، مرحلة القبول والاستيعاب والاعتراف أن المثليين جزء من مكونات المجتمع لا يقل في الحقوق ولا الواجبات عن أي مواطن آخر، وأن ميول الشخص الجنسية مسألة شخصية صرفة، والإقرار بالحق فيها هو إقرار تلقائي بقيمة الحريات الشخصية ، مع هذا يبقى هذا الكلام قابلا في حالات إلى المراجعة، داخل هذه الدول نفسها، ويبقى أمر قبول المثلية بين أفرادها أمر غير محبب تماما، حتى في أكثر هذه الدول ديمقراطية وتعاملاً مرنا على غرار ألمانيا التي تقام فيها سنويا أكبر مظاهرة مثلية في مدينة برلين، أو أميركا التي شرعت أخيراً زواج المثليين.

عرف العرب المثلية منذ القدم، ولأنها سلوك مرتبط بالبشر فهو قديم قِدمهم، لكن لو نظرنا قليلا إلى الوراء، فان نظرة صغيرة في تاريخ بعض الحضارات والعصور سنجد من خلالها أن المثلية كانت سلوكا منتشرا سواء بين العامة أو بلاطات الملوك والخلفاء لعل أبرزها العصر العباسي والأندلسي وما أتت عنها من أخبار وقصص تتعلق بالمثلية، لكن هذا لم يمنع تفشيها قبل ظهور الإسلام أيضا، ففي العصر الأموي اشتهر الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الله بممارسته اللواط وعُرف ب"الخليفة الفاسق"، حدّ مراودة أخيه سليمان بن يزيد عن نفسه، وفي العصر العباسي اشتهر به الخليفة الأمين بشكل مبالغ ما أثار القلق في نفس والدته زبيدة التي أرادت أن تصرفه عن ذلك، فكانت تشتري له جواري صبايا في أول سن المراهقة، وتلبسهن لباس الغلمان وتقصّ شعورهن كالفتيان، وتهديه اياهن حتى يباشرهن مباشرة الغلمان ويكتفي بهنّ، وبعيدا عن الخلفاء فقد كتب شعراء كثر عن المثلية وتغنوا بالغلمان وامتدحوا اللواط، لعل أبرزهم أبو نواس الذي عرف بأشعاره الماجنة، وأبو تمام وابن الرومي وغيرهم، وقد بلغ تفشّي ظاهرة المثلية في العصور القديمة حدّ ظهور أسواق للّواط.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com