مبادرة سياسية روسية بأنياب عسكرية
مبادرة سياسية روسية بأنياب عسكريةمبادرة سياسية روسية بأنياب عسكرية

مبادرة سياسية روسية بأنياب عسكرية

تاج الدين عبد الحق

يخطئ من يعتقد أن الانتشار العسكري الروسي في سوريا، يتم دون معرفة الولايات المتحدة خصوصا، والغرب عموما، أو بمعزل عن دول الإقليم. ويخطئ من يعتقد أن هذا الانتشار هدفه الوحيد حماية الرئيس بشار الأسد، وضمان بقائه في السلطة.

فالذي يتابع الدور الروسي في سوريا سيجد أنه دور متشعب حد التناقض. ففيما تعلن موسكو من جانب دعمها الصريح للأسد، وتتمسك به كجزء من أي حل سياسي، وتعتبره شريكا لا غنى عنه في أي تسوية، تفتح ذراعيها، للمعارضة السورية التي تعتبر الرئيس السوري جزءا من المشكلة لا شريكا في الحل، وتشترط رحيله قبل أي شيء آخر للقبول بتسوية سياسية للصراع.

وروسيا التي تعد الحليف السياسي الوحيد لإيران، وتوفر الغطاء والدعم لتدخلها في العراق وفي سوريا بل وعموم المنطقة، هي نفسها التي تحاور الدول العربية المعنية بالأزمة السورية، وخاصة السعودية العدو اللدود لتمدد إيران، وحائط الصد الأول في مواجهة نزعتها للتوسع والهيمنة.

في المحصلة روسيا هي التي تملك خطوطا مفتوحة مع جميع أطراف الأزمة السورية، هذا إذا استبعدنا منها الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي يحاربها الجميع سواء من يؤيد النظام، أو من يدعم المعارضة.

وفي إطار هذا الانفتاح على أطراف الأزمة والتواصل مع كافة اللاعبين الرئيسيين فيها، تلعب موسكو دور الشريك الميداني القادر على الفعل، والوسيط السياسي الذي يمكن أن يقدم التسويات، أو تتقاطع عنده المبادرات.

من هنا فإن انتشار الوحدات العسكرية الروسية الأخير في سوريا، والذي بات واقعا على الأرض، لا ينظر إليه على أنه تصعيد روسي بقدر ما يمكن اعتباره مبادرة سياسية بأنياب عسكرية. وعندما يستخدم أوباما لغة لينة في انتقاد الدعم العسكري الروسي للنظام، يعلم أن موسكو ليست في وارد حسم الأزمة عسكريا، وإنما توفير ما تعتبره قاعدة ملائمة للحوار السياسي المتقطع بين معارضة مشتتة، ونظام يتهاوى.

فالحوار السياسي مهما كان شكله، وأيا كانت عناصره، لا يمكن أن ينجح في ظل حالة السيولة الميدانية التي تعيشها سوريا، والتي جعلت منها ساحة إرهاب، لا يوفر لا النظام الذي يفقد الأرض، ولا المعارضة التي يستنزفها المتطرفون.

ولذلك فإن روسيا وهي تدخل على خط العمل العسكري الميداني، تأمل بإخراج الساحة السورية من حالة السيولة تلك، الأمر الذي يتقاطع في أهدافه البعيدة مع جهود دول التحالف لمواجهة تنظيم داعش، ومع المحاولة الأمريكية لخلق بديل عسكري من المعارضة المعتدلة، قادر على تنقية الساحة السورية من التنظيمات والقوى المتطرفة، ويكون قادرا على توفير قاعدة قوية للحوار السياسي مع النظام.

ويبدو أن فشل التحالف عبر الضربات الجوية في تصفية داعش، وفشل المبادرة الأمريكية لتدريب وتجهيز قوة عسكرية تعمل على الأرض، أغرى الروس لتقديم مشروع عسكري بديل يقوم على دعم قوات النظام باعتبارها، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، القوة الوحيدة القادرة على مواجهة التنظيمات المتطرفة.

ومع أنه لم يجر التوافق رسميا على هذا المشروع، إلا أن الواضح أن موسكو وهي تعلن عن هذا البديل لم تعمل بمعزل عن الولايات المتحدة أو عن دول الإقليم وخاصة إيران والسعودية، وربما تكون قد حصلت على ضوء أخضر أو على عدم ممانعة، شجعتها على اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه. وهناك أكثر من متغير يمكن تلمسه في ردود الفعل الأمريكية اللينة، كما يمكن تلمسه في الصمت الإيراني والسعودي النسبي.

فإيران التي اعتقدت أنها يمكن أن تكون مظلة حامية للنظام السوري، تجد أنها تتورط أكثر من اللازم، وأن تدخلها مهما كابرت يستنزف من رصيدها المالي الذي تغدقه على نظام الأسد، ويستنزف من رصيدها ورصيد حلفائها السياسي بشكل تتهدد فيه علاقاتها الجديدة مع الغرب بعد اتفاقها النووي مع واشنطن.

الدول العربية - وخاصة السعودية التي تصر على رحيل الأسد وتعتبره خندقا متقدما لإيران-تدرك أن المعارضة السورية بوضعها الراهن غير قادرة على توفير البديل السياسي للنظام، وليست قادرة على ملء الفراغ في حال سقوطه. كما أن تلك الدول وجدت نفسها هدفا مباشرا للتنظيمات المتطرفة التي تعمل في سوريا، وباتت في مرمى تهديدها عملياً من خلال مجموعة من العمليات التي أظهرت الخطر الذي يمكن أن تشكله تلك التنظيمات، في حال استيلائها على السلطة في دمشق. إلى ذلك فإن هذه الدول تعتقد أن دورا روسيا نشطا، هو أفضل من خيار إيراني خطر لا على سوريا وحدها بل على الإقليم برمته.

ومع فشل هذه الخيارات التي حاولت الجمع بين إسقاط النظام والتصدي للإرهاب، ظهر الدور الروسي الجديد، كحبل نجاة من المراوحة المرهقة، بين عمل عسكري لا يثمر وبين جهد سياسي متعثر، فقد جمع هذا الدور بين مصلحة روسية مؤكدة في الحرب على الإرهاب خاصة مع وجود آلاف المقاتلين الشيشان في صفوف التنظيمات المسلحة في سوريا، وبين استعداد واضح للتعامل سياسيا مع كل أطراف الأزمة ومع كل خيار بما في ذلك التخلي عن الأسد.

والمعضلة الوحيدة التي تعترض المسعى الروسي هي إقناع الآخرين أن الانتشار العسكري الميداني الجديد، صمم لمواجهة التنظيمات المتطرفة، وأنه لن يصب في خدمة النظام في دمشق، أو أنه سيكون غطاءً لتقوية موقفه التفاوضي، وأن أقصى ما قد ينتج عنه إن نجح، هو توفير فرصة الخروج الآمن للأسد وأركان نظامه، وهو الحد الأقصى الذي يمكن أن تقبله الأطراف الأخرى.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com