اللحمة يا ريس !
اللحمة يا ريس !اللحمة يا ريس !

اللحمة يا ريس !

محمد بركة

إذا أردت أن تعرف حقائق الوضع الاقتصادي بمصر و ترصد حالة الرضا او الغضب لدي جموع الشعب تجاه السلطة ، فلا تستمع الى برامج التوك شو المنافقة أو تقرأ لمحللين استراتيجيين أصبحوا أكثر من الهم على القلب ، بل اخطف رجلك الى أقرب محل جزارة و اسأل عن سعر كيلو اللحم.

نعم هذا هو الترمومتر الحقيقي ، و المعيار الاشهر في التاريخ السياسي للبلاد و المقياس الاهم من مقياس ريختر لعلاقة الناس بحكامهم . أدرك جمال عبد الناصر هذه الحقيقة فلم يكتفي بتوفير السلع الاساسية بسعر شبه رمزي ، وانما بحث عن وسائل غير تقليدية لتوفير هذا المنتج الذي يداعب أحلام اغلبية الشعب دائما و يعد توفره في البيت مرة واحدة علي الاقل اسبوعيا مؤشر على انك من طبقة المستورين فإذا كنت تأكله مرتين في الاسبوع فإنك من متوسطي الدخل أما ثلاث أو اربع مرات فأنت بلا شك من الاغنياء .و لأن نحو ثلث الشعب تحت خط الفقر كان من الطبيعي أن يطلقوا علي أشهر و أرخص أكلة شعبية وهي الفول " بروتين الغلابة " باعتبار أن اللحمة بروتين الناس " اللي ربنا فاتحة عليهم " . وحين يرضي المصريون عن حاكم يقولون بعفوية : ربنا يبارك له ..في عهده كنا نأكل اللحمة كثيرا .

و العكس صحيح اذا غضبوا علي حاكم قالوا : كانت ايامه اسود من قرن الخروب ..لم نذق فيها طعم اللحمة . و لأن الرئيس الراحل أنور السادات كان ابن الفقراء ، فقد أدرك خطورة خروج مظاهرات تهتف :

سيد بيه ..يا سيد بيه

كيلو اللحمة بقي بجنيه

وعلي الفور طالب الشعب بمقاطعة تجار اللحمة الجشعين و الامتناع عن شراءها تماما شهرا كاملا بل و اصدر قانونا يقضي بالحبس ستة اشهر لمن يخالف القرار الجمهوري بالمقاطعة. وبعد تجاوز الازمة اطلق مبادرة " الامن الغذائي " التي اعتمدت علي توفير بدائل للحوم مثل الدجاج و الاسماك بأسعار رخيصة ، غير ان الشعب العاشق للحمة سرعان ما عاد الى ولعه القديم .

من ناحيته ، حاول الرئيس المخلوع حسني مبارك أكثر من مرة توفير اللحمة بأسعار رخيصة من خلال استيرادها بأسعار مخفضة من السودان غير أن تذبذب العلاقات مع نظام الرئيس عمر البشير صعودا و هبوطا افشل تلك المحاولات .

الان تلوح أزمة عنيفة في البلاد جعلت سعر الكيلو يقفز الى مئة جنيه وهو رقم باهظ للغاية و كفيل بأن يجعل اللحمة حلما ورديا لا يلوح الا في ليالي الصيف . نشطاء الفيس بوك الذين سبق أن أشعلوا فتيل ثورة يناير يقودون الان انتفاضة رائعة تجاه جشع التجار و فشل الحكومة التي يبدو أنها - كما هي العادة في مصر - تفاجأت بأن عيد الاضحى الذي يسميه المصريون " عيد اللحمة " علي الابواب و لم تنتبه الي أن المعروض أقل من الطلب مما سمح لمافيا اللحوم بالتلاعب في الاسعار . و اللافت أن هاشتاج " بلاها لحمة " وجد دعما ومساندة من شخصيات عامة مثل الفنانة شيريهان المعروفة بمواقفها السياسية الوطنية مؤخر ا ، فضلا عن الاشادة الحارة من جانب جهاز حماية المستهلك ثم وزير الزراعة .و السؤال الاخير : ترى ماذا يفعل السيسي في هذه الازمة بشكل خاص و في ملف اللحمة بشكل عام و الذي لا يزال يشكل أشهر رشوة سياسية للناخبين و السلاح الاشهر في لعبة المال السياسي و شراء الاصوات ؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com