القاهرة - تل أبيب ... حرب أم سلام؟
القاهرة - تل أبيب ... حرب أم سلام؟القاهرة - تل أبيب ... حرب أم سلام؟

القاهرة - تل أبيب ... حرب أم سلام؟

رغم مرو نحو ثلاثة عقود ونصف العقد على توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، إلا أن تل أبيب لا تزال تتوجس  من مصر، وقد بدا هذا الأمر جلياً الأيام القليلة الماضية في مشهدين، يتوجب التوقف أمامها بحرص وتدقيق شديدين.

المشهد الأول تمثل في نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي" صوراً للسفينة "دفورا"، والمنوط بها حماية المجال البحري الإسرائيلي، وتستخدمها إسرائيل منذ نحو سبعة وعشرين عاماً، الأمر الذي دعا كثير من المحللين العسكريين للتساؤل: "ماذا وراء نشر هذه الصور في مثل هذا التوقيت؟.

البعض ذهب إلى القول بأنها محاولة من تل أبيب للرد على القاهرة، المهتمة جداً في الآونة الأخيرة بتسليح جيشها وقواتها البحرية بأحدث القطع في الجيوش الحديثة، وقد كانت آخرها الفرقاطة الفرنسية الشهيرة "فريم"، والتي سميت "تحيا مصر"، وظهرت في أثناء افتتاح الرئيس السيسي لقناة السويس الجديدة، ناهيك عن الحديث الدائر الآن عن إمكانية شراء مصر والمملكة العربية السعودية حاملتي الطائرات الفرنسيتين "ميسترال"، وإن لم يتم تأكيد أو تأصيل الحديث عبر أي من العاصمتين.

والشاهد أن أدرعي ربما قام بما يحتم عليه منصبه القيام به، حتى وأن حمل الأمر رسائل مبطنة، وهو ما يمكن أن يفهم في إطاره العام، غير أن ما لا يفهم قولاً وفعلاً هو تصريحات المحلل السياسي الإسرائيلي "مردخاي كيدار" الأيام القليلة الماضية بشأن ما يحدث في سيناء ومحاولة ربط الأحداث الإرهابية الجارية هناك ومكافحة مصر للإرهاب الأعمى على أرض الفيروز بما أطلق عليه "استعدادات مصرية لشن هجوم على إسرائيل في أقرب وقت" ... هل يستقيم هذا الحديث؟

الأوهام والتخيلات التي سيطرت على عقل "كيدار" قادته إلى القول بأن انتشار التنظيمات الإرهابية في سيناء جزء من خطة الخداع الاستراتيجي للسيسي، تسمح له بإدخال المزيد من المعدات العسكرية لسيناء، تحسباً لهجوم وشيك شبيه بما قام به السادات عام 1973.

"كيدار" عينه يبرر رؤيته بأن الإرهابيين يسكنون أعالي "جبل الحلال" ، الأمر الذي لا تنفع معه الدبابات الثقيلة والمركبات والمدرعات ، والتي ربما لها في فكر المصريين عدو آخر.

كيف لنا أن نقرأ مثل هذه التصريحات؟

المؤكد أن التصريحات ليست رسمية ، وبالتالي فالأمر يظل في سياق التنظيرات أو التهويمات "الدونكشوتية" الساعية لأن تجد لها مكاناً تحت قرص الشمس لسبب أو لآخر، ومع ذلك فإنها تعكس حالة من المناخ الأصولي المتزايد بقوة في إسرائيل في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية فالأصولية اليهودية باتت تهدد إسرائيل نفسها، وهناك الآن دعوات لحرق الكنائس بوصفها أماكن عبادة وثنية أما دعوات هدم الأقصى فلا تزال ماضية على قدم وساق كل يوم، وأكثر من ذلك هناك من يطالب بأن تسود الشريعة اليهودية الموسوية محل قوانين دولة إسرائيل العلمانية الكافرة ... هل هذه الدعوات رجع صدى لأخرى مشابهة استمعنا إليها من قبل في العالم الإسلامي؟

المؤكد أن إسرائيل تدخل مرحلة خطيرة ومثيرة تعيش فيها  على الهواجس، لتجني ما زرعته أياديها منذ نشأتها القائمة على حد السيف وعزل وإقصاء الآخر، والإصرار على فكرة " الشعب المختار " في وسط "الأغيار".

حكماً من حق مصر أن تختار الطريق الأنفع والأرفع لحماية حدودها براً وبحراً وجواً، وهذا لا يعني بالضرورة والحتمية القدرية، أنها تمارس ألاعيب وخداع استراتيجية لإعلان الحرب على إسرائيل.

والشاهد أن مصر عندما حاربت في 1973، كانت تدافع عن أرضها المحتلة، وتسعى لتحريرها، الأمر الذي تكفله لها كافة النواميس الالهية ، عطفا على الشرائع الوضعية .

كما أن المصريين الذين ارتضوا السلام منذ خمسة وثلاثين عاماً، حافظوا عليه، واحترموا تعهداتهم كأبناء دولة ذات كلمة ومسؤولية، تليق بمكانها ومكانتها التاريخية ولم تطلق رصاصة واحدة طوال هذه السنوات من الحدود المصرية على الداخل الإسرائيلي بغرض هجومي عدائي قومي.

الإشكالية التي لا يعرفها إلا الاختصاصيين في العلوم الدينية والتوراة هي أن مصر تشكل عقبة تاريخية لا تزال قائمة في النفس الإسرائيلية، وذكرى لتاريخ قديم يحاولوا نسيانه، فلا يقدرون، لأنه ثابت عندهم في كتب موسى والأولين، وعلى غير المصدق أن يقرأ نبؤة أشعياء  الإصحاح التاسع عشر "وحى من جهة مصر".

يستطيع المصري أن يحاجج وبصدق أن هدفه هو بناء مصر الجديدة، دولة راعية للسلام في الشرق الأوسط القلق المضطرب، لا مصر الساعية للحرب والدم والثأر .. الإشكالية في العقلية الإسرائيلية أنها كثيراً جداً ما تكون قراءتها في المعكوس.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com