داعش وتركيا من الوئام إلى الخصام
داعش وتركيا من الوئام إلى الخصامداعش وتركيا من الوئام إلى الخصام

داعش وتركيا من الوئام إلى الخصام

تاج الدين عبد الحق

 قد يكون الحرج الذي سببته العملية الانتحارية لتنظيم داعش في بلدة سروج التركية، مؤخرا، وراح ضحيتها 32 كرديا تركيا، بداية للفرج، ومدخلا لتفكيك العلاقة التركية الملتبسة مع التنظيمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا والعراق.

فتركيا، التي تتمتع بموقع جغرافي وسياسي متميز في الإقليم، لا تستطيع، بعد حادث التفجير، الاستمرار في التمسك بموقف المتردد أو المتواطئ مع تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن وصلت شرور التنظيم إلى عقر دارها، وبعد أن تعدى التنظيم الخطوط الحمر التي يمكن لأي حكومة تركية أن تقبل بها أو تتغاضى عنها.

والنتائج السياسية التي تركها التفجير الانتحاري، تبدو أكثر كلفة على حكومة أردوغان من النتائج المادية التي خلفها رغم ضخامتها النسبية. فهذه النتائج تطال مستقبل حزب العداله والتنمية الحاكم، الذي يصارع من أجل تأمين أغلبية برلمانية عبر التلميح لانتخابات مبكرة تؤهله للاستمرار منفردا  في الحكم، أو الدخول في ائتلاف حزبي يضمن له شراكة مريحة في مواجهة منافسيه.

تركيا التي أنكرت مرة بعد مرة، علاقاتها بالتنظيمات المتطرفة في سوريا، رغم الشواهد العديدة على تلك العلاقة، صمدت في مواجهة الضغوط الخارجية التي طالبتها بموقف حازم من التنظيمات المتطرفة التي تتخذ من تركيا مقرا أو ممرا إلى سوريا، لكنها بعد التفجير الانتحاري الأخير في البلدة الحدودية مع سوريا، تجد نفسها مضطرة لإعادة حساباتها ومراجعة موقفها لا في مواجهة الخارج فقط، بل للتجاوب مع مطالب الداخل أيضا.

فالواضح أن التفجير أدخل أكراد تركيا، بقوة إلى المشهد السوري، لا باعتبارهم مناصرين لإخوانهم من المعارضة الكردية السورية، بل باعتبارهم ضحايا أيضا، لذات التنظيم، وذات الأساليب.

والضغوط السياسية التي كان يمارسها أكراد تركيا على حكومتهم، بسبب التواطؤ مع التنظيمات المتطرفة في سوريا، مرشحة للتصعيد، خاصة بعد أن أسفرت تلك الضغوطات، عن تغير في التركيبة البرلمانية التركية، فأعطت للأكراد مزيدا من المقاعد في البرلمان، وأفقدت الحزب الحاكم أغلبيته المريحة التي كانت تمنحه صكا على بياض لحكم تركيا طوال الخمسة عشر عاما  الماضية.

الحملة التي يقال أن تركيا بدأتها ضد تنظيم داعش، قد تكون حملة المضطرِ لا المختار، فهي لا تستطيع تجاهل تفجير بهذا الحجم وهذه الخسائر، حتى لو كانت نتائج  الحملة في صالح خصومها، أو تتعارض مع حساباتها.

فحكومة أردوغان التي تحاول ترميم الساحة الداخلية التركية من خلال الانفتاح على الأكراد وإشراكهم في الحياة السياسية والحزبية، قد تجد نفسها في مواجهة متجددة مع المكون الكردي إن هي تعامت عما خلفته عملية داعش الانتحارية من آثار، أو إن هي صمّت آذانها عن الصدى السياسي الذي تركته في عموم الساحة التركية.

القناة التركية التي كانت شريان الحياة للتنظيمات المتطرفة، قد تصبح بداية النهاية لتلك التنظيمات. كما أن تركيا التي كانت لاعبا في توجيه وتصعيد الأزمة السورية قد تكون اليوم مدخلا للحل. أو على الأقل محطة البداية لإخراج الأزمة السورية من حالة مراوحة بين معارضة ضعيفة ونظام غير مقبول.

 فالمعارضة السورية، التي وجدت نفسها في مواجهة مع تنظيمات متطرفة أرهقتها وشوهت سمعتها وحرمتها من الدعم الدولي، ستجد في إخراج داعش من المعادلة فرصة تستعيد فيها شيئا من قوتها العسكرية التي فقدتها طوال مواجهاتها مع التطرف والمتطرفين، وقوتها السياسية التي تمكنها من حرية التحاور مع القوى المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة في الساحة السورية.

أما النظام الذي حافظ على وجوده واستمراره باعتباره أهون الشرين، وصمام أمان يمنع استيلاء المتطرفين على  السلطة في سوريا، فسيكون في حال خروج داعش من المعادلة، أمام  استحقاق يتعين عليه الوفاء به، أو في مواجهة ضغط إضافي يحد من قدرته على التهرب من أي توافق للقوى الإقليمية والدولية على حل الأزمة، ومعالجة آثارها وتداعياتها.

التطور في الموقف التركي يبدو حاسما، ويظهر أن تركيا كانت تملك دور البطولة في الأزمة حتى وهي تتمسك بدور الكومبارس، ولذلك فإن التعويل على تركيا في المواجهة المحتملة القادمة مع تنظيم داعش، يبدو مبررا، ويفتح الباب أمام حسم المواجهة مع هذا التنظيم، ويسهل فرص اجتثاثه بالكامل من الإقليم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com