السيسي وبطانة السوء
السيسي وبطانة السوءالسيسي وبطانة السوء

السيسي وبطانة السوء

تجربة المصريين في تعامل الاعلام مع قياداتهم، تجربة فريدة، تراوحت على الدوام بين عداء يصل حد القذف والتشهير، وبين مدح وتمجيد يصلان حد التأليه والتنزيه، وبين الحدين كانت الموضوعية غائبة أو مغيبة. كان الطابع الشخصي في الخطاب الإعلامي ظاهرا، على الدوام ، سلبا أوإيجابا، و عانت منه العهود المتعاقبة. كان من الصعب تبين المسافة الفاصلة بين الإعلاميين والسياسيين، وكثيرا ما اختلط حابل السياسة بنابل الإعلام، بحيث لم يكن بالإمكان، في بعض الأحيان، معرفة أين يبدأ دور الاعلامي وأين ينتهي، وأين يقف السياسي، وإلى أين يصل.

في العهود التي سبقت ثورة 25 يناير كان مفهوما ذلك الخلط بين دور الاعلاميين ودور السياسيين، فكل وسائل الاعلام المؤثرة مملوكة للسلطة وتأتمر بأمرها، وكانت القيادات الإعلامية، بشكل أو بآخر، قيادات سياسية، أو قادمة من رحم السياسة لا المهنة، فمعظمها تعين بقرارات رئاسية، وبمعرفة السلطات العليا ومباركتها.

اليوم، وفي مرحلة التعددية السياسية والانتخابات الديموقراطية، تختلف الصورة، فوسائل الاعلام الرئيسية، هي وسائل إعلام خاصة وبتمويل خاص، ومع ذلك فإن هذه الوسائل لم تتخل في معظمها عن دورها كبطانة سوء، وتكاد تكون أوركسترا واحدة تعزف المعزوفة ذاتها، بنفس الإيقاع ونفس الرتابة حتى مع اختلاف الأدوات والآلات. بل إن الأمر وصل حد تنقل العازفين من موقع لآخر ومن أداة لأخرى، دون أن يكون لهذا الانتقال تأثير على أداء الجوقة الاعلامية أو تعديل في أسلوب أدائها.

المشير السيسي، وهو يستعد لتسلم سدة الرئاسة، يعمل في مناخ سياسي جديد، يتطلب إعلاما جديدا ومختلفا عن إعلام العهود السابقة. لكن الإعلام االمسيطر على الساحة الآن، هو بمعظمه إعلام المرحلة السابقة، وأجندته تختلف عن أجندة السيسي، والتوافق الحالي بين الخطابين الاعلامي والسياسي ليس تعبيرا عن مشروع واحد بل هو تعبير عن تقاطع مصالح. فقطاع عريض من الاعلاميين كانوا، وهم يلتحقون بركب السيسي ، يحاولون تصفية حسابات مع عهد الإخوان القصير الذي كاد يقصيهم لا من وظائفهم وامتيازاتهم فقط، بل ملاحقتهم وإقصائهم من الحياة العامة برمتها. ولذلك فقد كانوا جاهزين لركوب موجة السيسي وتبنيها كما لو كانت من إنتاجهم وتعبيرا عن مواقفهم السياسية، واستمرارا للمرحلة السياسية التي أنتجت نجوميتهم.

بيد أن هذا التقاطع في المصالح قد لا يصمد طويلا ، فالخطاب الاعلامي الذي رافق السيسي في مرحلة صعود نجمه السياسي، له أولويات مختلفة عن أولويات البرنامج الإقتصادي والسياسي والاجتماعي للرئيس الجديد، وأن الشعبية التي يحظى بها السيسي منذ 30 يونيو الماضي ستكون على الدوام موضع امتحان، ولن يكون قادرا على تبرير أي إخفاق حتى لو احتفظ بالزخم الذي توفره له الآلة الاعلامية الحالية. كما أنه لن يكون قادرا على اقتسام أي مغانم سياسية أو حزبية مع القوى التي تملك أو تتحكم في المشهد الإعلامي، لأنها مغانم لاتتناسب مع الوعود التي قطعها ولا مع الصورة التي أكسبته الشعبية وهي صورة القائد المنحاز للغلابى.

المشير السيسي بعد أن يستقر في قصر الرئاسة سيكون تحت الضوء الاعلامي، وهو ضوء يخطف الأبصار وأدى في مرات عديدة إلى صرف أسلافه عن وعود قطعوها على أنفسهم، وإلباسهم أثوابا فضفاضه لا تتناسب مع أحجامهم وأدوارهم. المشير السيسي، اليوم أمام خيارين، فإما أن يؤسس لحالة جديدة مختلفة تتناسب مع مكانة مصر وتطلعات شعبها، وإما أن يعيد إنتاج الأخطاء التي وقع فيها أسلافه عندما اعتقدوا أن الصورة الإعلامية، التي رسمت لهم، هي صورتهم الحقيقية التي يراها الناس.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com