لماذا تغير موسكو مواقفها؟
لماذا تغير موسكو مواقفها؟لماذا تغير موسكو مواقفها؟

لماذا تغير موسكو مواقفها؟

يوسف ضمرة

ما يزال الإعلام العربي مبتدئا، على الرغم من هذه التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت طوع بنانه. وقد تبين أن هذه التكنولوجيا بأمها وأبيها لن تكون بديلا عن الإنسان. فلا تكفي الصورة ولا المونتاج ولا السكايب أو الربط عبر الأقمار الصناعية، طالما كانت المعلومة واهية، أو فقيرة.

يتمسك كثير من الإعلاميين بكلمة"المصالح" التي تحكم سياسات الدول بعضها مع البعض الآخر. وهو مصطلح صحيح بالطبع، لكنه لا يستقيم عندما تتعارض هذه المصالح في سياق واحد. ولا ينبغي تغليب مصلحة على أخرى فقط اعتمادا على عامل الجدة والأسبقية.

فقد امتلأ الإعلام العربي في الآونة الأخيرة بتحليلات واستنتاجات كلها تؤكد ضعف التحالف الروسي السوري، أو ضعف الدعم الروسي لسوريا ولقيادتها، إلى الحد الذي جعل البعض يذهب في اتجاه استنباط نتيجة تؤكد أن روسيا لم تعد متمسكة بالأسد!

مثل هذا التحليل قام على زيارة ولي عهد ولي العهد السعودي لموسكو، وإبرام اتفاقيات اقتصادية بين البلدين.

فقد اعتقد كثير من السياسيين والإعلاميين أن هذه المصالح المشتركة المستجدة بين موسكو والرياض، تقدمت على مصلحة روسيا في دعم سوريا، والتمسك بوحدتها. ومثل هذه القراءات السياسية، تتناسى تراتبية المصالح. فالاتفاقيات بين موسكو والرياض لا ترقى إلى تحالف استراتيجي كالذي هو قائم بين موسكو ودمشق. وتدرك موسكو أن هذه الاتفاقيات ستأخذ في البرود سريعا فور تلبية الحاجة السعودية، المتمثلة في إسقاط النظام السوري. فالسعودية لا تقيم علاقات عادية مع واشنطن والناتو، ولا تحكمها مع هذا الحلف الرأسمالي مجرد اتفاقيات عابرة. بمعنى أن موسكو تدرك أن العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، أكبر بكثير من أن تؤثر فيها اتفاقيات اقتصادية عابرة أو وقتية. وبالتالي، فإن المصلحة الأكبر لموسكو تتعين في علاقات استراتيجية أيضا لا في اتفاقيات ثنائية. وعليه، فمن البديهي أن تكون العلاقة بين موسكو ودمشق أكبر وأقوى من اتفاقيات اقتصادية بين موسكو والرياض. فهل تضمن الرياض لموسكو موطئ قدم لروسيا على شواطئ المتوسط بعد سقوط سوريا؟ وهل تفرط موسكو بالمياه الدافئة، بينما يقوم الناتو بمناورات استفزازية في البحر الأسود؟

على كل من يقرأ في السياسة والإعلام، أن يتذكر أن موسكو حسمت أمرها منذ اللحظة الأولى. وهو حسم لم يكن اعتباطيا أو مجرد استعراض قوة. فموسكو بهذا الحسم كانت تدرك أنها تطالب نفسها قبل أن يطالبها أحد، بتقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لدمشق. وكانت على استعداد لعمل ذلك والقيام به، وهو ما فعلته طوال أربع سنوات مضت. ولا يستطيع أحد أن يفكر بالنيابة عن موسكو، ليخبرنا أن صفقة جارية مع السعودية، قد تطيح بتلك العلاقة الاستراتيجية بين موسكو ودمشق. فمثل هذا الكلام، يمكن تطبيقه على الدول النامية أو الدول الضعيفة، لا على دولة صاعدة بقوة مثل روسيا، لم تكن السعودية في حساباتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا في المدى المنظور. وتقرب السعودية من موسكو، لا يغري الأخيرة كي تسد عجزا ما، أو تعمل على صيانة غواصاتها مثلا.

العلاقة بين موسكو ودمشق، تتعدى موطئ القدم على شاطئ المتوسط، وحقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، ومجابهة التهديدات الأطلسية قبل وصولها إلى روسيا. فهنالك إرهاب حقيقي يتنقل من بلد إلى آخر. وتعد جمهوريات آسيا الوسطى على الحدود الروسية مرشحة لتكون بعض الحواضن لهذا الإرهاب. وقد جربت موسكو مثل هذه الصراعات في الشيشان وداغستان، وهي غير مستعدة لتكرار التجربة على حدودها، وهي تجربة مرشحة ـ لو حدثت ـ للتعمق في الأراضي الروسية نفسها.

مصالح؟ نعم. ولكن هنالك فرقا بين مصلحة استثنائية طارئة وعابرة، ومصلحة قائمة على رؤية استراتيجية بعيدة النظر سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com