فك ارتباط المعارضة السورية بالإرهاب
فك ارتباط المعارضة السورية بالإرهابفك ارتباط المعارضة السورية بالإرهاب

فك ارتباط المعارضة السورية بالإرهاب

تاج الدين عبد الحق

الأزمة السورية هي عقدة المنطقة الأصعب، مهما تكاثرت المشاكل، وتعددت الأزمات. واستحالة الحسم، لا تقرب فرص الحل.

وأياً كانت الأسباب وتعددت المعطيات فإن صعوبة الحل أو الحسم ليست ناتجة عن ضعف النظام وهشاشته فقط، بل بسبب تشتت المعارضة وتشرذمها أيضا. والذين يتدخلون في الأزمة من الخارج، دفاعا عن فريق أو دعما له، لا يراهنون في العادة على حلفائهم في الداخل، بقدر ما يستثمرون خطايا النظام، أو أخطاء المعارضة.

من يدعم الأسد الآن، يعلم أن النظام لم يعد أكثر من ورقة تفاوض، وأنه لن يكون جزءا من أي حل حتى لو كان يقول غير ذلك في العلن.

 أما الذين يدعمون المعارضة فهم يعلمون أن المعارضة بتركيبتها الحالية وتشرذمها، لا تستطيع أن تكون بديلا للنظام، حتى لو استمرت خطوط الدعم المادي لها، وتعاظمت مشاعر التعاطف معها.

وما يتردد عن بذور طلاق، بين إيران والنظام السوري، وما يتواتر عن احتضان الحليف الروسي لمؤتمرات حوار، بين ممثلي النظام والمعارضة مؤشرات، على أن التأييد الذي يحظى به الأسد محكوم بمعايير ومصالح من يتحالف معه، وليس من يراهن عليه.

في إطار هذا التحول المحتمل في مزاج حلفاء الأسد أو أولوياتهم، تأتي دعوة الملك سلمان بن عبد العزيز لعقد مؤتمر للمعارضة السورية. وأهمية هذه الدعوة، أنها مسبوقة بإنجازات ميدانية تمكنت فيها المعارضة من السيطرة على مدن ومساحات جديدة، قريبة مما كان يعد ملاذات طائفيه آمنة للنظام. وهذا يوحي بأن ثمة تناغم سياسي مع الإنجاز العسكري، حيال ما يمكن أن يتم في المرحلة المقبلة.

مؤتمر المعارضة السورية، إن عُقد، سيكون هدفه الأول فك ارتباط هذه المعارضة، بكل أشكال وتنظيمات التطرف التي أعاقت وقيدت الدعم الإقليمي والدولي لها. وفك الارتباط هذا ليس مصلحة سورية فقط بل دولية وإقليمة، بعد أن تمددت التنظيمات المتطرفة وباتت خطرا لا على القضية السورية فقط، بل على استقرار وأمن المنطقة أيضا.

وبالرغم من أن احتضان السعودية، ودعم دول الخليج لمؤتمر المعارضة المنتظر، يمثل مبادرة مشجعة، ويعطي مبررا للتفاؤل، إلا أن التئام المؤتمر لن يكون سهلا، والطريق أمام النتائج التي يمكن أن ينتهي لها، لن يكون ممهدا. فعلى مدى سنوات الأزمة الأربع حدثت اختراقات عديدة لفصائل المعارضة، وتجاوزات أضعفت مصداقيتها وشوهت صورتها، وكان من نتيجة ذلك تراجع ميداني لقوى المعارضة المعتدلة، وضعف للإطار السياسي الذي يجمعها.

وإعادة لملمة ما تشرذم في صفوف هذه المعارضة، ليس بالأمر السهل، إذ أن الفصائل التي يمكن أن تحسب على الجناح المعتدل ليس لديها ميدانيا ما يمكن المراهنة عليه سياسيا، كما أن ما لدى هذه القوى من أمكانيات وحضور في الساحة السورية لا تهدده قوة النظام والمليشيات المتحالفة معه فحسب، بل بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة نفسها خاصة المتطرفة منها والتي تحاول الاستئثار بقيادة المعارضة أو الوقوف حجر عثرة أمام اسقاط النظام.

أمام هذا الوضع الذي تعيشه قوى المعارضة السورية فإن المؤتمر الذي تدعو له السعودية ودول الخليج، هو مؤتمر مختلف عن كل المؤتمرات السابقة التي عقدت في إطار الائتلاف الوطني السوري الذي كان يضم قوى يجمعها الضجيج السياسي أكثر من الحضور الميداني. فالمؤتمر الجديد هذه المرة يمكن أن يكون بوابة لعبور قوى معارضة قديمة بثوب جديد، بعد أن يعاد تأهيلها وإعدادها للتعامل مع الاستحقاقات التي يفرضها الإقليم ويتقبلها المجتمع الدولي.

وعليه فلا يستبعد أن يضم المؤتمر، إن نجح الإعداد له، بعض القوى التي كانت تحسب على جناح المتطرفين وتصنف على أنها تنظيمات إرهابية. وحتى لا يبدو الأمر كما لو أنه قراءة في غير محلها، لا بد من الإشارة إلى أن فتح قنوات اتصال مع جماعات أو فصائل من هذا النوع، ليست سابقة خليجية. ففي أدبيات وتاريخ حركات المعارضة المسلحة سوابق من هذا النوع، أبرزها الحوار الذي فتحته الإدارة الأمريكية عبر وسطاء مع حركة طالبان بوساطة قطرية، والحوار الذي أجرته الحكومة البريطانية مع الجيش الجمهوري الإيرلندي والذي كان يصنف من قبل بريطانيا على أنه تنظيم إرهابي.

مؤتمر المعارضة السورية الذي دعت إليه الرياض قد يكون اختراقا سياسيا يعزز النجاحات العسكرية التي حققتها بعض الفصائل مؤخرا، وهو بالمناخ الذي يعقد فيه، قد يفتح الطريق أمام تشكيل معارضة سورية ناضجة تسحب البساط من تحت أقدام النظام الذي اتكأ على بعض الممارسات الإرهابية لتغطية ما يقوم به من قمع وتدمير، كما أنها تسحب الغطاء عن بعض التنظيمات الإرهابية التي جعلت من معارضتها للنظام السوري ستارا لممارسات يندى لها الجبين، وتهدد آثارها وتداعياتها استقرار وأمن المنطقة برمتها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com