معركة الأزهر ومصادرة المخالفين
معركة الأزهر ومصادرة المخالفينمعركة الأزهر ومصادرة المخالفين

معركة الأزهر ومصادرة المخالفين

الآن يطالب الأزهر بمصادرة برنامج الباحث الإسلامي، إسلام بحيري، على قناة "القاهرة والنَّاس"، وبالفعل أرسلت هئية الاستثمار المصرية خطابا لإدارة القناة بوقف البرنامج خلال مدة اقصاها أسبوعان من تاريخه، كما أرسلت للأزهر صورة من الخطاب لتغسل يدها من البرنامج، وتنفي عن نفسها تهمة الإساءة للإسلام حسبما جاء في الخطاب الموجه من الأزهر للهئية المنظمة لإصدار تراخيص الفضائيات في مصر، لكن السؤال المهم هو، هل أنتهت الأزمة عند هذا؟ بالطبع لا!

من الناحية القانونية هناك عقد بين الفضائيات والاستثمار يتضمن شروطا معينة وموروثة من عهد مبارك، منها ألا تبث المحطات ما من شأنه تهديد السلم الاجتماعي أو احداث الفتن بأنواعها أو التحريض ضد النظام السائد، وهي في مجملها شروط مطاطة وتتعلق بالمواءمة السياسية الاجتماعية.

وفي أرشيف المحاكم سوابق كثيرة، من قبل ظهور الإعلام المرئي مثل قضية الشيخ علي عبد الرازق الذي اتهمه الأزهريون بالكفر والزندقة بعد تأليفه (كتاب الإسلام وأصول الحكم ) والذي أثبت فيه بالأدلة انتفاء وجود نظام إسلامي شرعي للحكم، ونفى كل فتاوى عصره التي تدعو لنظام الخلافة، وكان ذلك صدمة دحضت الحشد الذي أطلقه الأزهريون من أجل الدعوة لتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين، والنتيجة أن الأزهر أعلن الحرب عليه وسحب منه شهادته وجرده من موقعه وآخيرا فصله، ولم يقف معه في هذه المعركة إلا رموز الليبرالية آنذاك مثل محمد حسين هيكل ولطفي السيد وطه حسين والعقاد.

والغريب أن نفس المعركة تجددت بعد حوالي سبعين سنة مع مفكر مجتهد آخر هو المستشار محمد سعيد العشماوي حول نفس الموضوع "الخلافة في الإسلام" لكن بين المعركتين كانت معركة طه حسين مع الأزهر بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" والذي دعا فيه لغعادة قراءة تفاسير القرآن بل وإعادة النظر في كل ماهو مقدس من إبداع الفقهاء لأنهم بشر قد يصيبون ويخطئون.

إذن القضية متجددة وتتكرر كلما ظهر من يحاول قراءة التراث أو النقل من باب العقل والاجتهاد، رغم أن الآخير أحد أبواب الفقه التي تفتح باب الرحمة للمسلمين وتعطي للدين الإسلامي فضل وفضيلة التجدد والمسايرة لتغيرات الزمان والمكان بعيدا عن ثوابت العبادات وماهو وارد في نص أو سنة مؤكدة.

الملاحظ هنا أن تاريخ الأزهر الذي أغلقه صلاح الدين الأيوبي ردحا من الزمن، والذي كان شيعيا بامتياز طوال سنوات الدولة الفاطمية، كان يزلزل كيانه كل من يحاول نقد المنقول أو يجتهد بما يخالف المناهج المتوارثة، أو الأحاديث الضعيفة التي يوظفها الإسلام السياسي لصالح شهوة الاستحواذ على السلطة أو الشهرة أو التمكين الاجتماعي، لكن هل من حق الأزهر مصادرة اجهاد المجتهدين أو إقصاء من يخالف الموروث؟

الإجابة في قانون تنظيم عمل الأزهر ومؤسساته وهو القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١وحسب مذكرة المستشار العشماوي في دفاعه عن نفسه ضد مصادرة كتبه في ١٦يناير ١٩٩٢ يقول لايجوز للأزهر بكل هيئاته مصادرة أي كتاب أو أي عمل ثقافي أو فني، وما ورد في القانون هو حق الأزهر وبالتحديد مجمع البحوث الإسلامية التابع له (تتبع ما ينشر أو يبث عن الإسلام والتراث الإسلامي من بحوث ودراسات في الداخل والخارج للانتفاع بما يأتي بها من  رأي صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد، وذلك بالفقرة السابعة من المادة ١٧من اللائحة التنفيذية).

معنى ذلك أنه ليس من حق الأزهر المصادرة، وإنما الرد على الكتاب بكتاب والبحث يُفند البحث، والمقال يناقش المقال والبرنامج يرد على البرنامج، أما المصادرة فهي من حق جهات ثلاث فقط، هي:

وقد ترى النيابة أن دعاوى المصادرة ضد حرية الإبداع وحق الإنسان في المعرفة، مثلما حدث في قصية طه حسين عندما نظرها وكيل نيابة مثقف ومستنير هو المستشار محمد نور، وكتب في مذكرة الحفظ أن طه حسين قيمه فكرية كبيرة وله حق الإبداع، وعلى المخالفين له في الرأي الرد ببحث وليس من حقهم طلب المصادرة، لأن ذلك يعنى تجمد المجتمع وسطوة الماضي ومصادرة المستقبل، والمذكرة طويلة ونموذج مدهش للقاضي المفكر الذي يفتح نوافذ الفكر ولايغلقها، ويوظف القانون لدفع شرايين الحياة والتقدم والحضارة في جسد مجتمع أراد له دهاقنة الظلام التقوقع في قبور الماضي.

في كل الأحوال ليس من حق الأزهر مصادرة برنامج لباحث إسلامي، وليس من حق أي باحث تجاوز أصول الاجتهاد المعروفة، وفي الحالتين أثبتت المعركة الآخيرة أن العالم الإسلامي الآن في أمّس الاحتياج للاجتهاد، ومواجهة فكر الدواعش والاستقطاب والاقصاء، وعلى الأزهر ورجاله ممارسة النقد الذاتي أو الجلاسونست وتطهير مناهجه ليكرس مفهوم الوسطية والتسامح والعصرية، وليكن ذلك بيده لابيد بحيري أو عمرو فهل يعي هذه التبعة؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com