"الغيرة ذلك المسخ أخضر العينين"
"الغيرة ذلك المسخ أخضر العينين""الغيرة ذلك المسخ أخضر العينين"

"الغيرة ذلك المسخ أخضر العينين"

وئام غداس    

لسببٍ ما ظلم الغربيون العيون الخضر بوصفهم الغيرة على لسان "اياجو" في مسرحية عطيل بالمسخ أخضر العينين الذي ينهش الغيور بشراسة الوحوش، ينهشه حتى يُنهيه بالذهاب إلى قتل حبيبه.

ولو تأملنا قصة شكسبير الممسرحة هذه سنجد أنها توافق وتطابق قصصاً وروايات تكاد لا تُحصى سواء من الموروث العربي الواقعي والمتخيّل، أو الغربي، حيث أتى عدد جيد من كبار كتاب العالم ضمن نصوصهم على ثيمة الغيرة البشرية، والتي نمرّ بها لزاماً حيال أحداث الحياة وفي خضم علاقاتنا، ليس العاطفية وحسب بل أكاد لا أستثني أي علاقة بين إنسان وآخر.

لكن لنبدأ أولا بأول ما يقفز إلى أذهاننا فور التكلم عن الغيرة، أليس الحبّ؟ كل حبّ تعتمله رغبة في الإمتلاك وبالتالي جموح وإستبداد فكرة أنّ هذا الكائن لي،وغير مسموح لأحد الإقتراب منه، يظلّ المحبّ مستنفراً، خائفاً، حارساً لسعادة لا يراها خارج أو بعيداً عن شريكه، ومن هنا فكلّ ما سيمسه سيمسّ بهجته وإستقراره ويهدّدهما، هكذا نحارب يومياً لأجل إستبقاء أحبّائنا بشكل إراديّ وغير إراديّ، بوعي أنّنا نفعل وبلا وعي.

الغيرة نقيصة وفي العشق لابدّ منها، فالحبّ كتلة معجونة إمّا أن تأخذ الكلّ أو تترك الكلّ، وسوف لن تحصل على السعادة والأيام الجميلة دون الحصول معها على الغيرة والقلق، ولا تُصدّق من يقول لك أنا أحبّ ولا أغار، لا تُصدّق أبداً أنه يُحبّ.

في التحليل النفسي بعض المشاعر الإنسانية لا تفرّق بين شخص وآخر، في الجنس أوالخلفية الإجتماعية أو الثقافية أو غيرها، الغيرة واحدة من بين هذه الصفات العمياء والتي نتساوى فيها بذات القدر، باستثناء بعض الحالات المرضية، من أجل هذا نجد الكتابة عنها متوفرة في جميع الثقافات ومنذ القديم جدا.

فشكسبير مثلاً في مسرحية عطيل استمدّ أغلب وقائعه من مراجع عديدة وقصص متداولة آنذاك عن الغيرة من بينها كتابات "هاكيلوت"، وأخرى مما حمله البنادقة من قبرص أثناء معاركهم مع أحد قوادي السلطان سليم الثاني، عرف بشراسته وقوّته، وقد جرت تلك المعارك في حياة شكسبير بحدود عام1572، قبرص أين حدثت جريمة قتل "ديدمونة" بسبب الغيرة العمياء التي عصفت بعطيل، ومثلها وبشكل شبه متطابق جرت أحداث واقعية مماثلة تمثلت بقصة الشاعر الدمشقي عبد السلام بن رغبان "ديك الجنّ" الذي هام بحُبّ الجارية "ورد" وتزوجها، وبسبب الغيرة المجنونة قتلها، ولليوم مازلنا نسمع بمثل هذه النهايات الأليمة للحبّ في كلّ مكان من الدنيا بلا تحديد، فالقصص الإنسانية مشتركة بين جميع الشعوب والغرائز والعواطف واحدة في كل البشر وإن إختلفت ألوانهم أو أماكنهم، والنفوس البشرية كالكهوف لا تعوزها مناطق مظلمة وخطرة.

 لكن الغيرة ليست شعوراً مرتبطاً فقط بالعشق، ثمة نوع آخر من الغيرة، فأنت تغار على أشخاص ولكن ماذا عن غيرتك من أشخاص، من الأنجح والأثرى والأفضل وكلّ من يتفوق عليك في صفة أو مجال، المسألة هنا أيضا نسبية ولعلّها تشكّل هي الأخرى غريزة طبيعية لا يتحكم بها الإنسان، لكنه حتما قادر أن يتحكّم بمقدارها وبالتالي ما سينجرّ عنها، الغيرة النبيلة هي التي تدفع نحو التقدم والمنافسة النزيهة، وهي كلّ ما سيجعل شخص يُفكّر في نقائصه كي يعالجها لا لتستبدّ به أو تمرضه، إنه ذكاء أن تحافظ على توازنك أمام حفرة الحسد الغائرة والتي قلّما ينجو من سقط فيها.

 قيل الغيرة سرطان الذهن، وأقول أن الجميع مصاب به لا محالة، الفرق أنّك وحدك من يُحدّد مدى خطورته، وهل سيقتلك أم ستقتله.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com