دماء على فراش العشق !
دماء على فراش العشق !دماء على فراش العشق !

دماء على فراش العشق !

محمد بركة

كان دمه الحامي يغلي وأعصابه المرهفة تحتـرق كلما اقترب أحـد من محبوبته التي شاءت الأقدار أن تكون غجرية تحيي حفلات الزفاف في القرى – وما أكثـر من كانوا يقتربون – باعتبارها تفاحة الناحية المرغوبة. وكان العاشق الغيران مضطراً بحكم الظروف أن يبتلع فورانه و"يكفى ع الخبر ماجور" فهو الزوج أبو العيال وهي الراقصة التي لا تحل له. بمرور الوقت لم يعد يحتمل. كان أصحابه يضربون كفاً بكف وهو يبكي أمامهم مثل طفل صغير وتسح دموع حيرته ساخنة، وما أصعب وأغلى دموع الرجال في قريتنا، لكن الأسوأ لم يكن قد جاء بعد...



قرر أن يطلب يدها بعد أن هدته ليالي التفكير الطويلة إلى أن زواجه منها سراً لكن على سنة الله ورسوله هو الحل. شرح لأصحابه كيف أنه سيبيع البقرتين ويستغني عن الحمار ويستلف قرشين ويعمل لها بيتاً على قد الحال ويرحمها من الشقا والبهدلة في بلاد تحطها وبلاد تشيلها. لم تفلح محاولات الاصحاب في إثناءه عن هذا الجنون الرسمي، وإن كان أحدهم جاهر بإعجابه:


- قيس إيه وليلى إيه... عليَّ الطلاق بالتلاتة معوض أجدع منك يا قيس وضفره برقبتك يا روميو... بس هو الحظ!


- يا عم بقولك الواد دماغه لسعت وحكايته هتبقى لبانة في أفواه العزبة.. تقول لي روميو وقيس.


- يا أجهل من دابة.. دولا ناس عرفوا العشق وقلبهم اتحرق ودخلوا التاريخ. معوض بقى اتفوق عليهم بس التاريخ عمره ما هيخلده طول ما أصحابه ناس زي أشكالك!


ظل يبحث عن معشوقته التي تحولت فجأة إلى فص ملح وداب. الفأر لعب في عبه لأنها في المرة الأخيرة كانت "متغيرة شوية".


عرف أنها اتفقت على إحياء ليلة كبيرة للإبن البكري لعمدة مقتدر من نواحي المنصورة. شد معوض الرحال وهناك عرف أن العمدة خصص لجميع الآلاتية والمداحين والراقصات – لم تكن هي الراقصة الوحيدة – مندرة لا يدخلها غيرهم. تدبر العاشق أمر الإقامة وعرف كيف يجد له مأوى حيث كان الفرح لا يزال أمامه ثلاثة أيام بلياليهم.


كانت عجلة الاستعدادات قد دارت: ذبائح وخبيز وشيف خصوصي جئ به من مصر، والأهم أن معوض عرف سكة "العشة عبر موقع استراتيجي يستطيع أن يطل منها على الداخل والخارج من بيت العرس.

وما بين غباء عالم اليقظة وذوق عالم الأحلام، تجلى فجأة الطيف المعشوق أمام عينيه، فانتبه جدي تماما. كانت هي بالفعل. على تقاطيع وجهها الجميل، ينسدل ما يشبه الخمار الأسود وتتسلل في الظلام. انسل وراءها بخفة ورشاقة الثعالب وقلبه لا يحدثه خيراً لا سيما حين تجاوزت البيوت إلى حيث "عشة" بعيدة يقف على حراستها خفير اصطحبها إلى الداخل ثم خرج بمفرده على الفور..

- هات العواقب سليمة يارب!

كان يضحك على نفسه، فكيف تأتي العواقب سليمة وقلوب العاشقين أصدق من مقياس ريختر. والخفير العملاق بضربة واحدة تكوم أرضاً على إثر خبطة تلقاها بحجر جيري على مؤخرة رأسه. والابن الأصغر خرجت أمعاؤه بضربة واحدة من مطواه قرن غزال استعاد فيها العاشق المخدوع مهارته في الضرب بالسونكي وهو جندي مجند يسدد النصل الحاد عميقاً ثم يلويه بشدة ليكون الجرح مميتاً..

المدهش أن فاتنة الغجر لم تصرخ أو تستغيث، بل استسلمت في هدوء شديد وكأن هذا المصير انتظرته طويلاً، لم يذهب بعقلها منظر الأمعاء التي بدت مختلفة عما درسناه فى حصة العلوم. لم تعقد لسانها المفاجأة أو يطلقه الرعب بكوكتيل من الصرخات المدوية. بدت وكأنها في انتظار ملاك الموت الذي تأخر كثيراً عن موعده، وحين ظهر أخيراً سبحت في بحر من الارتياح وهي تتنهد بعمق. العاشق المخدوع احتضنها بحنان لن يجود بمثله الزمان قبل أن يحطم - ودمعة ساخنة تترقرق في عينيه - عظمة الترقوة في رقبتها ويغمض في هدوء جفنيها. ...

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com