فلسطين ليست جائزة ترضية
فلسطين ليست جائزة ترضيةفلسطين ليست جائزة ترضية

فلسطين ليست جائزة ترضية

إميل أمين

لماذا تصر الإدارات الأمريكية المتعاقبة على التعامل مع العرب وكأن لهم ذاكرة الأسماك لا ذاكرة الأفيال؟



الأولى تنسى في لمح البصر، والثانية تحفظ الأحداث عبر عقود ومهما طال الزمن.


في الأيام القليلة الماضية بدأت تسريبات تنسب لمسؤول أمريكي تتحدث عن مشروع جديد للرئيس الأمريكي باراك أوباما لاحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

المسؤول الأمريكي الذي يوصف بالكبير أوضح أن أوباما يعتزم استغلال الفترة المتبقية لديه في منصب الرئيس لدفع المبادرة الجديدة، لا سيما وأن التدهور الحاصل في الأوضاع يقلق الإدارة الأمريكية التي تخشى اندلاع أزمة جديدة في المنطقة.


يا لرقة قلب أوباما ويا لعطفه على منطقة الشرق الأوسط، إذ لا يريد أن يمضي بعيدا قبل أن يطمئن على أن سكانها قد أمسوا في حالة متصلة من السخاء والرخاء، ولا يهم ما إذا كان أوباما نفسه هو رجل التحالفات الخفية مع جماعات الإسلام السياسي، أو أنه صاحب نظرية الصبر الإستراتيجي التي تكفل لداعش أن تتمدد في طول الشرق الأوسط وعرضه ملقيا لهم بالأسلحة عن طريق الخطأ، كل هذا لا يهم ...أية سخرية يسخرون؟


تصر الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تعاطي نفس الأدوات التقليدية في معالجة القضايا الحيوية، وربما يمشون على خطى هنري كيسنجر ونصيحته في أن الزمن كفيل ببلورة رؤى بعينها، وحل ما يتعقد اليوم من المشكلات، ولهذا فإن ما يتم تسريبه يذكرنا بما جرى في أوائل التسعينات ومؤتمر مدريد، فلكي تضمن الولايات المتحدة الأمركية في عهد بوش الأب مشاركة عربية ناجعة وناجزة، فعالة وقاهرة في عملية تحرير الكويت، كانت فلسطين وقضيتها هي الجزرة التي لوحت بها للعرب، وحاولت اقناع جميع الأطراف بأن لقاء مدريد هو أول الغيث والذي سيقود ولاشك لأمطار السلام، وهو ما اثبتت الأيام غشه وخداعه وعدم جدواه.


لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية طوال تاريخها القريب طرفا موثوقا في عملية سلام بين العرب والإسرائيليين، حتى كامب ديفيد، مليئة بالالغام والفخاخ المنصوبة لمصر والمصريين، وإن كان الرئيس السادات قد قبلها، فإنما فعل ذلك انطلاقا من مبدأ تحسين الموقع الاستراتيجي لمصر في أي نزال قادم بين المصريين والإسرائيليين، ما يعني أن الرجل كان يمارس نوعا من انواع الخداع الاستراتيجي عندما تحدث عن حرب أكتوبر عام 1973 بوصفها آخر الحروب بين البلدين.


ومما لا شك فيه أن اتفاقية اوسلو لم يكن مهندسوها أمريكيين بل أوربيين وفرنسيين تحديدا، وهم من نصحوا الجانبين بالعمل بعيدا عن أعين الأمريكيين، ولذلك نجح الاتفاق حتى ولو جنت إدارة العم سام بسبب ما جرى من وراء ظهرها .


ما وجه الشبه بين الأمس واليوم ؟

يعلم القاصي والداني أن هناك صفقة ما ستنجلي ملامحها عما قريب بين الإيرانيين والأمريكيين حول برنامج إيران النووي، صفقة يسعى أوباما بكل قوته لانجازها حتى يكتب أسمه في سجل القياصرة الأمريكين كما يقال، وفي ذات الوقت ترفع عن طهران كاهل العقوبات، وتوقف العمل على البرنامج النووي والذي وصل ولا شك إلى مرحلة متقدمة جدا تقنيا، بمعنى أنه حتى لو لم يمض قدما في انتاج القنبلة النووية اليوم، فإن لديه من العلم والمعرفة والخبرة التكنولوجية ما ييسر له في بضعة اشهر الحصول عليها، تماما كما الحال مع اليابان ومقدرتها النووية .


تزعج الاتفاقية، ولا شك، كافة الأطياف والأطراف العربية والشرق أوسطية بما فيها إسرائيل، ولهذا يسعى أوباما إلى مغازلة العرب بالحديث عن القضية الفلسطينية وكأنها قضية العرب المحورية المركزية، ذات الأبعاد السياسية المؤدلجة، وصاحبة البعد الدوجمائي الأهم في حياة العرب، ليست أكثر من جائزة ترضية، وعليهم أن لا يرفعوا عقيرتهم في مواجهة رغبات وتطلعات العم أوباما.


الزيف الأمريكي هذه المرة لن ينطلي على أحد والقيادة الفلسطينية لم تعد تعول كثيرا على الدور الأمريكي المغشوش، والمعركة قادمة ولا شك بين إدارة أوباما من جهة وبين – ويا للعجب – العرب والإسرائيليين هذه المرة من جهة ثانية، وفي هذا مشهد من مشاهد سخرية التاريخ او مكره أسمها ما شئت.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com