رياح التغيير تعصف بإسرائيل
رياح التغيير تعصف بإسرائيلرياح التغيير تعصف بإسرائيل

رياح التغيير تعصف بإسرائيل

تاج الدين عبد الحق

من الصعب التعويل على خروج بنيامين نتنياهو من المشهد الإسرائيلي، كعامل تغيير في ملف الحل السياسي للقضية الفلسطينية. صحيح أن نتنياهو كان طوال السنوات الخمس عشرة التي قضاها في السلطة عامل تعطيل لكل جهد استهدف تحريك عملية التسوية، وأنه بالغ في سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة للدرجة التي أفرغت حل الدولتين من مضمونه، إلا أن ذهاب نتنياهو بحد ذاته ليس عامل التغيير الحاسم الذي قد يغير المعادلة القائمة حاليا، أو يفتح الباب المسدود في وجه التسوية.  

فالتشكيلة الحكومية الجديدة في إسرائيل ليست تشكيلة منسجمة، ويكاد اليمين فيها يسيطر على القرار، إما من خلال قدرته على فرض رؤيته عليها، وإما تعطيل أي قرار قد يسهل تحريك عملية التفاوض المعقدة من جديد.  

وحتى بافتراض توافق الائتلاف الجديد على خطوط عريضة تحفظ له الحد الأدنى من التماسك، فإن ذلك يعني أن عربة التسوية إنْ توافرت لها فرصة التحرك بقيادة الائتلاف الجديد، ستتحرك بسرعة العربة الأبطأ في الائتلاف وهي العربة التي ترفض بوضوح مبدأ حل الدولتين وتتمسك بالاستيطان وتتصلب في جميع القضايا الخلافية التي حالت دون التسوية حتى الآن.

لكن استبعاد التشكيلة الحكومية في إسرائيل، كمتغير من المتغيرات التي تشهدها القضية الفلسطينية حاليا، لا يعني إغفال المعطيات الأخرى، التي تشهدها الساحة السياسية حاليا وتشير إلى مناخ تسوية تنخرط فيها قوى وجهات إقليمية ودولية عديدة.  

ولعل المواجهة الأخيرة، في غزة، وفي إسرائيل، هي أبرز المتغيرات كونها أسهمت بخلط الكثير من الأوراق، وأعادت ترتيبها بما يتفق مع الارتدادات العميقة التي أحدثتها تلك المواجهة إنْ على الصعيد الثنائي الفلسطيني الإسرائيلي، أو على صعيد تغير المزاج الإقليمي والدولي الذي بات ضاغطا بدرجة أكبر، باتجاه تحريك عملية السلام، ومتحمسا لإحياء حل الدولتين كتتويج لها.  

غياب مظلة سياسية قادرة على ترجمة المتغيرات الميدانية الجديدة، لا يعني بالضرورة أن ما أفرزته المواجهة الأخيرة كان زوبعة في فنجان، وأن فرص تحريك عملية سياسية لا تزال محدودة.  

ففي خلفية المشهد السياسي هناك اتصالات أمنية عميقة بين الأطراف المعنية.  وهذه الاتصالات بطبيعتها وقدرتها على التحرك المرن بعيدا عن المحاذير السياسية والحزبية، قد تصمم مقاربة مختلفة للخروج من الطريق المسدود الذي تقف عنده جهود التسوية.  

 فالملاحظ أن هناك انفراجا في التعاطي مع بعض المحاذير التي أعاقت تلك الجهود. وأبرز بوادر الانفراج هذا، استعادة القضية الفلسطينية لزخمها الذي كادت تفقده بسبب التعنت الإسرائيلي المزمن، والتجاهل الدولي المتواتر، ومحاولات التطويع الجائرة للموقف الفلسطيني، لإجباره على قبول صيغ حل لا تستجيب للحد الأدنى للأماني الفلسطينية.  

وإذا وضعنا هذه العناصر في ميزان التقييم فإننا سنلحظ بوضوح أن إسرائيل تفقد قدرتها تدريجيا على تسويق موقفها المتعنت، والرافض لأي صيغة تجبرها على القبول بحل الدولتين على أساس القانون الدولي والمرجعيات المرتبطة بهذا الحل.  

كذلك فإننا سنجد أن التجاهل الدولي للقضية الفلسطينية والانصراف عنها، ينظر إليه الآن بشكل متزايد، على أنه خطأ، وخطيئة غير مقبولة، وتتزايد بسببه المخاطر الأمنية، ويتعاظم أثره على الاستقرار الإقليمي والدولي.  

هذا التغيير في الرؤية السياسية للقضية الفلسطينية يفتح الباب أمام مقاربات كانت إلى حين قريب من المستحيلات والمحرمات. فحركة حماس في غزة التي كانت تواجه ضغوطا مختلفة من أجل عزلها، وتقليص دورها، باتت على نحو ما لاعبا سياسيا مقبولا حتى من قِبل إسرائيل التي تتفاوض في السر على ما ترفضه في العلن.

وباتت الجولات المكوكية التي يقوم بها الوسيط المصري في هذا الشأن أكثر شفافية في إبراز مواقف الحركة ومطالبها، دون أن يثير هذا أي استهجان لدى الدوائر الإسرائيلية التي كان رهانها المستمر على عزل حماس والانفراد بسلطة فلسطينية ضعيفة في الضفة الغربية.  

ومع أن تل أبيب لا تزال تنكر إمكانية الاتفاق مع حماس وإجراء اتصالات مباشرة معها، فإن التجربة تشير إلى أن إسرائيل لا تعيد اختراع العجلة من جديد إنْ هي أقدمت على مثل هذه الخطوة. فقد سبق لإسرائيل أن تفاوضت مع منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن تمنعت سنوات عن إجراء أي اتصالات معها، وكانت ترفض أن يكون للفلسطينيين تمثيل مستقل عن الوفد الأردني عندما بدأت مفاوضات مدريد وما تلاها من جولات تَفاوض في الولايات المتحدة، قبل أن يتبين أن القنوات الخلفية في الجانبين، كانت منخرطة باتصالات عميقة، فاجأت العالم وانتهت باتفاقات أوسلو عام 1993.  

أما حماس التي صنفت مواقفها على أنها مواقف متطرفة فإن أجواء الانفراج السياسي المنتظر قد تدفعها إلى تغيير الكثير من مواقفها كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية، وقد تطور مواقفها كما فعلت منظمة التحرير، إلى حد القبول بكيان فلسطيني على أقل من ربع فلسطين التاريخية.  

الاتصالات بين إسرائيل وحماس إنْ جرت، أو إنْ أسفرت عن اتفاق بين الجانبين سواء على هدنة طويلة الأمد أو اتفاق يمهد إلى حل شامل، ستحل بشكل أتوماتيكي خلاف السلطة الفلسطينية مع الحركة، والتي كانت إسرائيل تقول إنه أحد أسباب الفشل في الوصول إلى التسوية الشاملة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com