حقوق المرأة بين التمثيل والتجميل
حقوق المرأة بين التمثيل والتجميلحقوق المرأة بين التمثيل والتجميل

حقوق المرأة بين التمثيل والتجميل

تاج الدين عبد الحق

الاحتفال بيوم المرأة العالمي إنصاف منقوص للمرأة، ونوع من التحايل على ما يتعين القيام به من أجل حمايتها وصون كرامتها ووقف الانتهاك الفادح لحقوقها الأساسية، والتصدي للظلم المتراكم الذي وقع عليها عبر التاريخ تحت مسميات وعناوين مختلفة.

فالتغييرات الشكلية في أوضاع المرأة مهما بدت براقة، لا تعادل في قيمتها وتأثيرها الحرمان والظلم الذي لا زالت تعاني منه ملايين النساء حول العالم بشكل عام، والعالم الثالث بشكل خاص. وحتى تلك المناطق التي تبوأت فيها المرأة مناصب قيادية، أو تسلمت بها مسؤوليات رسمية، ظلت المرأة تعاني من أشكال تهميش واضحة تحت عناوين اجتماعية، أو تمييز فاضح تحكمه مفاهيم بالية موروثة، أو تصورات جاهلية.

وفي محاولة لإصلاح الخلل، وتغيير واقع المرأة، ابتكرت بعض الدول النامية، صيغا لمعالجة الظلم التاريخي الذي طال النساء، ونال من حقوقهن، لكن هذه الصيغ لم تكن في حقيقتها، انتصارا لحقوق المرأة وإصلاحا لحالها، ولا كانت استجابة لمطالب وأولويات نسوية، بقدر ما كانت مجاراة لموضة سياسية رافقت ثورة الاتصال، وتداخل المصالح.

وأبرز ما يذكر في هذا السياق، نظام الكوتا النسائية الذي يسمح بتخصيص حصة من المقاعد البرلمانية والمجالس التشريعية للمرأة، بحيث يقتصر التنافس فيها على النساء فقط .

ورغم ما في هذا الترتيب من نوايا طيبة، وما فيه من رغبة لتعزيز مكانة المرأة ودورها، فإنها لم تكن تمثل ،في كثير من الدول، إلا علاجا مسكنا، لأوجاع مزمنة، وأمراض مستعصية .

تمثيل المرأة في المجالس النيابية والتشريعية، لم يكن هدفه الحقيقي الانتصار لحقوق المرأة، والحفاظ على مكانتها الاجتماعية، بقدر ما كان الأمر استجابة لأوضاع عالمية ضاغطة،، ونوعا من التجميل للصورة الخارجية، وشكلا من أشكال إضفاء طابع الحداثة على الأنظمة السياسية.

إذ تكشف التقارير الواردة من دول عديدة في العالم الثالث، أن الدول التي تبارت في إعطاء المرأة حقوق التمثيل السياسي والنيابي، لا زالت النساء فيها يعانين ظروفا انسانية صعبة، سواء على صعيد التمييز في القوانين والتشريعات، أو على صعيد الأعراف الاجتماعية التي تنظر للمرأة كفاقدة للأهلية، وتمنعها من المساواة بالرجل في الحقوق والواجبات، أو ضلع قاصر لا يملك قدرة اتخاذ القرار، وحرية الاختيار حتى في أدق الخصوصيات.

في خضم الحديث عن حقوق المرأة السياسية لا زلنا في العديد من الدول العربية، نناقش بصوت مسموع قضايا من نوع زواج القاصرات، وختان الإناث، وقدرة المرأة على الاحتفاظ بأولادها ومنحهم جنسيتها متسترين في بعض الأحيان بتفاسير دينية جامدة، أو قيم اجتماعية بائدة.

وفيما ترتفع الأصوات بشأن تمثيل المرأة في البرلمان، فإن الآذان تصم السمع، عن صرخات وأنات الزوجات والأخوات اللواتي قتلن غيلة وغدرا بأيدي آبائهن أو أزواجهن أو إخوانهن لمجرد الشك بسلوكهن، بل لم تتورع بعض المجتمعات الذكورية، عن إضفاء طابع القدسية على هذا النوع من الجرائم لمجرد ربطها تعسفيا بالشرف، وإعطاء من يرتكبها تقديرا ضمنيا ينجيه من الحساب والعقاب، وتكريس الظاهرة وتداولها كجزء من ضوابط المجتمع وقوانينه .

في يوم المرأة العالمي يجب أن نتذكر أن التغييرات الشكلية -مهما بدت براقة- لا تعادل في قيمتها وتأثيرها الحرمان من حقوق أساسية نعتبرها في أدبياتنا النظرية حقا طبيعيا لا مجال للمجادلة فيه، لنكتشف عند أول اختبار، أن المرأة لا تزال بعيدة عن بعض مقومات إنسانيتها ولا تزال محرومة من أبسط الحقوق، حتى وهي تجلس تحت قبة البرلمان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com