اليمن بين التصعيد والحل
اليمن بين التصعيد والحلاليمن بين التصعيد والحل

اليمن بين التصعيد والحل

تاج الدين عبد الحق

التصعيد الذي يقوم به الحوثيون، حاليا، من خلال تكثيف الهجمات بالطائرات المسيرة عبر الحدود يتنافى في ظاهره، مع أجواء الحديث عن تسوية سياسية للأزمة اليمنية. كما أن هذا التصعيد يبدو مغايرا للاتجاه السياسي الحالي، الذي يرى في الإدارة الأمريكية الجديدة عامل تغيير جديدا في معادلة أي حلول منتظرة للمشاكل السياسية المستعصية الناجمة عن التطورات التي ظلت تشهدها الساحة اليمنية منذ سنوات طويلة سبقت الانقلاب،، واستمرت بعده، وخلفت تداعيات ونتائج سياسية، وكوارث إنسانية.

والواضح من متابعة ما تشهده المواجهة الحالية، من تصعيد، أن الحوثيين يلعبون على وتر التغيير في السياسة الأمريكية الجديدة تجاه الأوضاع في اليمن، والتي باتت تغلّب البعد الإنساني على ما عداه، من وجوه الأزمة، خاصة تلك المرتبطة بالأجندة الإيرانية في الإقليم، بعد أن جعلت اليمن ساحة من ساحات المواجهة والصراع التي تشتبك فيها طهران مع أطراف إقليمية ودولية مختلفة.

والظاهر أن طهران وحلفاءها، يدركون حجم الضغوط التي تواجهها إدارة بايدن الجديدة، للدفع باتجاه مقاربة مختلفة للأوضاع في اليمن، والعمل لإيجاد مخرج سياسي وحلول إنسانية للمشكلات هناك.

وهي بدلا من أن تستغل مناخ الحديث الأمريكي عن ضرورة السعي لتسوية سياسية، وحلول إنسانية لمشكلات اليمن، أخذت منحى تصعيديا تمثل في زيادة هجمات الطائرات المسيرة على السعودية، واستهداف مواقع مدنية؛ وذلك لاستفزاز الرياض، ودفعها لردود فعل عسكرية، قد تزيد من تعقيدات الأزمة.

ويبدو أن إيران في قراءتها للمتغيرات السياسية الناجمة عن ذهاب الرئيس السابق دونالد ترامب، ومجيء خصمه جو بايدن للبيت الأبيض، تبالغ، وهي تدفع حلفاءها الحوثيين للتصعيد، في تقدير المدى الذي يمكن لواشنطن أن تذهب إليه في الضغط على التحالف العربي الداعم للشرعية، لإجباره على تقديم تنازلات وتسويات، بغض النظر عن الثمن السياسي والأمني لمثل تلك التنازلات.
ومع افتراض أن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه اليمن، تتماهى مع التطلعات الإيرانية، فإن ذلك لا يجب أن يدفع التحالف العربي إلى مواجهة مع واشنطن حتى لو اختلفت الرؤى السياسية مع الإدارة الأمريكية في هذا الشأن.

فالبعد الإنساني الذي يشكل الإطار العام المعلن، لأي تحرك أمريكي بشأن الأزمة اليمنية، يمكن فصله عن باقي مكونات وعناصر المشكلة السياسية، من خلال جهد دولي يمنع الحوثيين وحلفاءهم الإيرانيين من استثمار معاناة وآلام اليمنيين لتحقيق مآرب سياسية، سواء على صعيد تغيير التوازن في المعادلة الإقليمية، أو على صعيد ظفر طهران بفرصة جديدة تكرس من خلالها طموحاتها النووية.

ومع أن الواقع الميداني اليمني يبدو واقعا معقدا بسبب تداعيات الحرب الأهلية المستمرة منذ عقود، إلا أن جهدا دوليا وإقليميا منسقا قد ينجح في فك ارتباط المشكلة السياسية التي تورط بها اليمن بعد الانقلاب الحوثي، بالآثار الإنسانية التي خلفتها الحرب الطويلة لاستعادة الشرعية.
فالبدء بعملية إعمار واسعة وتحت إشراف دولي ومساهمة إقليمية وأممية، من شأنها سحب البساط من تحت أرجل القوى السياسية المتصارعة في اليمن، لمنعها من استثمار معاناة واحتياجات اليمنيين في عمليات الاستقطاب السياسي، والتجنيد العسكري .

كما أن عملية إغاثة دولية منسقة من شأنها سحب الذرائع والمبررات للتصعيد العسكري، الذي يمنع من إيجاد مناخ موات للتسوية السياسية بشقيها اليمني الداخلي أو الإقليمي.
ولعل عودة الحكومة اليمنية الشرعية لممارسة مهامها من داخل اليمن تشكل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.. فمن خلالها يمكن تنسيق عمليات الإغاثة والإعمار الدولية بشكل مهني على أن تكون هذه العمليات معزولة -شكلا ومضمونا- عن المواقف السياسية للأطراف المتصارعة في الميدان .

ولعل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الشرعية مع المجلس الانتقالي في الجنوب اليمني  للتشارك في إدارة المحافظات الجنوبية، هو أنموذج يمكن تكراره، والسير على منواله مع القوى المحلية الأخرى في باقي أجزاء اليمن؛ لتحفيزها على الانخراط في عمليات الإعمار ؛ إنْ هي رغبت في الاستفادة من موارد الإغاثة والإعمار المنتظرة، بعيدًا عن تنفيذ أجندات ومصالح قوى خارجية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com