هل ينجح اللبنانيون في تأسيس أحزاب غير طائفية؟
هل ينجح اللبنانيون في تأسيس أحزاب غير طائفية؟هل ينجح اللبنانيون في تأسيس أحزاب غير طائفية؟

هل ينجح اللبنانيون في تأسيس أحزاب غير طائفية؟

تاج الدين عبدالحق

إسقاط الحكومة اللبنانية أحدث دويًّا لكنه لم يُحدِث تغييرًا. والنشوة التي شعر بها المتظاهرون في الساحات وفي الطرقات، عندما أعلن الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته، سرعان ما استفاقوا منها، على الحقيقة المرّة، وهي أن الانتفاضة العابرة للطوائف، لم تَخلق واقِعًا سياسيًّا جديدًا ، وأن العبور باتجاة الدولة المدنية، والبعيدة عن المحاصصة الطائفية، كان عبورًا إعلاميًّا، ولم يترك الأثر الذي أراده المتظاهرون، وهو رحيل كل الطاقم السياسي الذي حكم لبنان ولا يزال، وفق معادلة الاستقلال الطائفية وتعديلاتها التالية، بما فيها صيغة الطائف التي أنهت حربًا أهلية استمرت سبعة عشرعامًا. 

ومنذ البدء، كان المتابعون للحراك الشعبي، المشفقون منهم،  والمتربصون، يرَوْن في هذا الحراك فورة غضب منفلتة، ليس فيها عصب قوي، يمكن التعويل عليه، سوى النوايا الطيبة، والحماسة الوطنية للمشاركين فيه. 

كانت المظاهرات دون رأس ، وكانت  الحماسة التي نزل بها اللبنانيون إلى الشارع تفتقد لبرامج سياسية يمكن تسويقها، أوالمراهنة عليها. فيما كنا نحن المراقبين من بعيد، نعتقد أن المدة التي قضاها المنتفضون في الشارع، كفيلة بأن تخلق دينامية عمل، من شأنها إفراز قيادات جديدة، وواقع سياسي مختلف، من خلال اتفاق القائمين بالحراك على تقديم برامج عمل بديلة لما يطالب المنتفضون بإسقاطة، أو تعديله . 

لم يستطع المتظاهرون تحويل حركتهم  العفوية البريئة، العابرة للطوائف، إلى واقع سياسي مختلف  وظل صدى الأصوات الغاضبة التي كان يصدح بها المتظاهرون، يتبدد كلما اصطدم بتاريخ طويل من الممارسة الطائفية، وبحائط من الصيغ التقليدية المتجذرة في الواقع السياسي للبنان منذ الاستقلال وحتى الآن. 

التعايش بين المتظاهرين لأيام عديدة  في الشارع، لم يتحوَّل _ رغم ما بذله البعض من جهد _ إلى حركة سياسية ناضجة، فلم نسمع بمبادرة جادّة لتأسيس حزب سياسي عابر للطوائف من رحم تجمعات الشارع ومن نسج ما كان يتردد فيه من شعارات.

ظلت الأصوات _رغم اجتماعها المتواصل، ورغم إجماعها على قواسم مشتركة_ غير قادرة على تغيير صورتها، وتعديل أدائها والتحول من حركة حماسية، إلى صيغة تنظيمية تسمح للمتظاهرين بتقديم أنفسهم كبديل مقبول لما يطالبون بإسقاطه، ولا حتى كشريك ممكن، في صيغة سياسية مُعدلة للوضع القائم. وظلت الشعارات عناوين جديدة لنصوص قديمة، ومعروفة، أو متداولة منذ زمن بعيد . 

انتفاضة لبنان "بعد ما ذاب الثلج وبان المرج" تحتاج إلى من يأخذ بيدها، ليجعل من الشعارات التي رفعتها، آلية عمل فاعلة في الشارع السياسي. هذا لا يعني، بالطبع، دعوة لتوقف حركة الاحتجاج، بل ترشيدها، وتوجيهها لإعطائها زخَمًا عمليًّا مستدامًا؛ لا من أجل إسقاط النظام ورموزه الطائفية هذه المرة، بل للتحول إلى كيان سياسي مدني، قاعدته الجماهيرية المتظاهرون الذين ينتفضون بالشارع في مختلف الساحات والمدن، والذين يرَوْن الخلاص في  الانعتاق من قيد الطائفية، والانطلاق إلى فضاء الدولة المدنية . 

معيار نجاح الانتفاضة، حتى مع كل ما حققته حتى الآن، لا يكمن في سقوط رموز العهد، بل في تقويض الدعائم التي قام عليها، وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا تغيرت الأسس التي تقوم عليها اللعبة السياسية اللبنانية، والتي يشكل الانتماء الطائفي أساسها، ومصدر القوة لكل المشاركين فيها. 

النجاح في إنشاء حزب أو أحزاب سياسية عابرة للطوائف، من رحم الانتفاضة، توازي في قوتها حراك الشارع، هو المخرج الوحيد الذي يمكن التعويل عليه لتغيير المعادلة القائمة، ودون ذلك فإن أي تغيير يَنتج عن انتفاضة تشرين اللبنانية، سيظل تغييرًا شكليًا، وغيرَ قادر على تقديم البديل المقبول، أو الدائم، الذي يضمن ولادة لبنان الجديد دون تشوهات طائفية. 

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com