الافتاء  والفاتيكان .. مواجهة صناع الكراهية
الافتاء والفاتيكان .. مواجهة صناع الكراهيةالافتاء والفاتيكان .. مواجهة صناع الكراهية

الافتاء والفاتيكان .. مواجهة صناع الكراهية

إميل أمين

ذات مرة في عصور التنوير الفرنسية تحدث فيلسوف فرنسا الأشهر فولتير بالقول :" ربما أختلف معك في الرأي، لكنني مستعد لأن أضحي بحياتي في سبيل أن تقول رأيك".... هل هذه المقولة صك مطلق لحرية التعبير عن الرأي؟



لقد استمعنا في الأيام القليلة الماضية إلى بابا الفاتيكان فرانسيس الأول وهو يتحدث عن فكرة حرية التعبير وكيف لا يتوجب أن تكون مبررا للإساءة للمعتقدات الدينية والعقائد الإيمانية للآخر، أيا يكن دينه ومعتقده أن أردنا للبشرية أن تعيش في سلام دون مواجهات.


على أن العناد الأخلاقي يبدو أنه سيد الموقف من جديد في فرنسا، وأن هناك من يسعي بالفعل لتأجيج المواجهات الصراع الحضاري، عبر تهييج المشاعر الدينية... هل من دليل على هذا الحديث؟


قبل الجواب نؤكد وللمرة المائة بعد الآلف أننا ندين بشدة الهجوم القاتل الذي وقع على رسامي مجلة شارلي أيبدو، وندين كذلك الترويع الإثم الذي تعرض له اليهود الفرنسيون واحتجاز رهائن لهم في متجر بعينه، ندين إدانة شاملة قتل الأرواح البريئة، ونطالب بأعلى صوت أن يتلقي هؤلاء ومن يمولهم الجزاء الواجب، ويحل بهم القصاص اللازم، دون ربط بأي مشاهد أخري.


وفي نفس الوقت نتساءل ما الذي سيفيد مجلة شارلي أيبدو من أن يصدر في عددها الجديد وعلى صدر صفحاتها سخرية جديدة من نبي الإسلام وهو يمسك لافتة مكتوب عليها "أنا شارلي"، عطفا على احتواها على رسومات جديدة مسيئة للإسلام والمسلمين.


لقد أجرت إذاعة فرنسية حوارا مع أحد رسامي الصحيفة الأيام القليلة الماضية، والذي لم يبد خشيته من هجوم جديد وقد كان تصريح الرجل غريبا عجيبا، يدفعنا للاعتقاد بأن هناك ما هو أبعد من المشهد الحالي، ويتصل بفكر المؤامرة، إذ يقول :" لن نتنازل للمتطرفين الذين يحاولون إسكاتنا، بالطبع سنسخر من النبي محمد:.... هل هذا هو الطريق الصواب في إخماد فتنة الصراعات والمواجهات العقائدية التى تقود لاحقا إلي تقسيم العالم تقسيما مانويا بين الأشرار والأخيار؟ يبدو أن القائمين على المشهد في الصحيفة عينها لا يعنيهم الأمر كثيراً، وربما تكون فكرة العدد الجديد أداة لتجاوز العقبات المالية التى تعترض مسيرة الصحيفة، فقبل الهجومات المسلحة عليها كانت على وشك الإغلاق لضائقة مالية اقتصادية، والآن ها هي تطبع نحو خمسة ملايين عدد، ما يعني تحقيق أرباح طائلة في الحال والاستقبال.


تصم شارلي أبيدو آذانها عن تحذيرات بابا الفاتيكان، وبنفس القدر، أغلقت عيونها وآذانها أمام تحذيرات مؤسسات دينية مصرية، ومسئولون فلسطينيون، من إعادة الطبع مع نشر الرسوم المسيئة، ففي مصر حذرت دار الإفتاء من أقدام الصحيفة على الإساءة مجددا والاستفزاز غير المبرر لمشاعر مليار ونصف مسلم عبر العالم يكنون الحب والاحترام للنبي.


يلفت بيان دار الإفتاء المصرية إلي الأثر السلبي المقنع خلف فكرة حرية الرأي المطلقة، فهذا العدد سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في المجتمع الفرنسي والغربي بشكل عام، كما أن ما تقوم به المجلة لا يخدم التعايش وحوار الحضارات الذي يسعي المسلمون إليه، مما يعد تطورا خطيرا مناهضا للقيم الإنسانية والحريات والتنوع الثقافي والتسامح واحترام حقوق الإنسان، كما أنها تعمق مشاعر الكراهية والتمييز بين المسلمين وغيرهم.


يمثل موقف دار الآفتاء المصرية في هذا المشهد، موقفا تقدميا وعقلانيا في ذات الوقت، بمعني أنه لم يقف المسلمون ساكنون في انتظار تلقي الضربات والطعنات مرة تلو الأخرى، وبالقدر نفسه لم تمضي دار الآفتاء في السياق المعاكس وما كان لها أن تمضي في إطار تشجيع الردود العنيفة على الخطأ الفرنسي... على ان السؤال الذي يظل عالقا في الافق لمصلحة من صناعة الكراهية على النحو الذي نراه الان في بعض المواقع والمواضع الاوربية ، تحت غطاء حرية الراي المطلقة ؟ وهل هناك من يحرك الامور من جديد لاشعال العالم بحروب وباخبار حروب ربما سنراها تشتعل من جديد في عالمنا العربي البائس بالفعل ؟


كان حري بشارل ايبدو الاستماع الى اصوات العقل من الفاتيكان الى دار الافتاء المصرية لكن العلمانية الجافة والانوار التي تعمي يبدو انها تقود العالم الى جنون الحرب عبر طرق صناع الكراهية المقيتة .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com