مدونات
برجك في الطالع .. و عقلك في النازل !
غادة خليل
عندما تلغي فجأة موعد عقد قرانك نتيجة هبوط مفاجئ في منظومتك الفلكية ، فعقلك بساطة في النازل ..
عندما تعدل في مواعيد سفرك ، حسب مطالعة باب " حظك اليوم " فعقلك في النازل ...
عندما تتقاعس عن انجاز صفقة العمر في مجال البيزنس بسبب " عكوسات " في حركة الأبراج، فعقلك في النازل ..
عندما تخرج من البيت مهموما دون سبب مقنع او منشرحا منطلقا تغني وأنت تقود سيارتك بسرعة جنونية ، لا لشيء إلا أن السادة خبراء الأبراج حددوا لك شكل يومك ، فأنت مرة ثانية و ثالثة و ألف عقلك في النازل ، حتى لو كنت قرأت برج معاليك في الطالع !
أقول قولي هذا وأنا اتابع حالة الهوس التي أصابت عشرات الملايين حول العالم بنبؤات 2015 الفلكية ، حتى أن السيدة والدتي لم تسلم من " هجمة " خبراء الأبراج عبر الفضائيات المصرية ، فإذا بها – هي النموذج الطيب الحنون للام المصرية – تزف إلي البشري بمجرد دخولي المنزل : خير اللهم اجعله خير يا والدتي ؟
" ابشري يا غادة ،اورانوس حل عن كوكبك وبالتالي كل منغصات 2014 سوف تختفي في العام الجديد ! " .
وهكذا يا سادة يا كرام ، مع بداية كل عام جديد أصبح خبير الأبراج صنفا خاصا من البشر ، تطارد جنابه وسائل الإعلام...
وتتسابق لاستضافته الفضائيات ..
أصبح الباشا البضاعة الرائجة في أسواق الخوف من المجهول ..و شاطئ الأمان المزعوم وسط أمواج المستقبل !
و لم لا ؟
وهو من يحدد لنا حظوظنا في الحب و الزواج و العمل ...
يرسم خطواتنا في السفر و البيزنس ..
يحذرنا من أنباء سيئة في أوقات معينة ..و يشجعنا علي
اتخاذ قرارات صعبة في أوقات أخري ..!
و السؤال : هل مصيرنا معلق فعلا بباب " حظك اليوم " ؟
طبعا معظمنا سيجيب بالنفي ..لكن المفارقة أن معظمنا أيضا اصبح زبونا يتلهف علي مطالعة كل الأبواب و البرامج المتخصصة في كشف الطالع و رصد حركة الكواكب !
هل الموضوع حقيقي أو شبه حقيقي أم مجرد تجارة و أكل عيش ؟ لا أنكر أننا مهما وجهنا عبارات التشكيك و الأسئلة الحائرة لصناع عالم الأبراج ، لابد من الاعتراف إن الاهتمام بها ظاهرة عالمية عابرة للغات و الثقافات... و صناعة تدر إرباح بملايين الدولارات ...كتب و صحف و برامج وقنوات كاملة ... لكن هل يعني هذا أن نتعامل معها علي أنها حقيقة مسلم بها ؟
من الواضح أن سبب لجوء الناس إلى الأبراج هو الخوف من فكرة الموت و الرعب من المجهول ..خوف أزلي بالطبع ، و أسهل طريقة ليتخلص الناس من قلق الفشل و المرض و الرزق هو أن يطلعوا على ما سينتظرهم في المستقبل، من خلال الأبراج ..
و الملاحظ ان هناك اتجاها متزايدا في بحوث علم النفس لاعتبار هوس الأبراج مظهر من مظاهر الخلل النفسي! و المشكلة تبدأ بمتابعة عادية لكن الخطورة انه مع التكرار واعتياد الناس يصل الأمر إلى درجة من الإدمان شبيهة بالإدمان على الانترنت .
ومهما اغضب ما سأقوله بعض الأصدقاء مني ، فإنني لابد لا أجد بدا من ذكر واقع صادم لكثيرين وهو أن خبير الأبراج متهم بأنه شخص كل مؤهلاته " شوية خبرة " علي أسلوب فيه تشويق وقدرة علي جذب اهتمام المستمع .. يعني الموضوع " من الآخر " شيء من الكاريزما .. فضلا عما يسمي القراءة الباردة (Cold Reading)، و هذه سر الصنعة التي يتقنها معظم خبراء الابراج ، وتعني ببساطة "التحدث بجمل واسعة تجذب الآخر وتقنعه ".
جمل من نوعية:
- أنت إنسان متواضع للغاية ..
أو
- أنت شخص لا يحب الخطأ..
أو
- تملكين شخصية حساسة، ولكن إذا وقعتي في مشكلة قد تنفعلين بسرعة!
هذه صفات تنطبق علي ملايين من البشر ، لكن الأخطر أنها إذا لم تكن تنطبق عليك فإنك سوف تصدقها و تقتنع بها ، لماذا ؟ لأنها ببساطة صفات محببة إلى قلبك