مصر المستنيرة تتراجع ..وتطارد أفلام الأنبياء!
محمد بركة
(1)
مرة أخري تتراجع الاستنارة في مصر و تنهزم التقدمية لصالح الأصوات المتطرفة التي تمارس إرهابا فكريا غير مسبوق ووصاية كريهة علي المصريين الذين ثاروا مرتين في اقل من ثلاث سنوات بحثا عن حقهم المشروع في الحرية . وبعد أن كان الرأي العام يستعد لمشاهدة الفيلم الأمريكي الجديد exoudus :gods and kings " أو "سفر الخروج : آلهة و ملوك " للمخرج المعروف رادلي سكوت المشهور بميله للأعمال ذات الطابع التاريخي الملحمي مطلع العام الجديد ، اذا بوزير الثقافة د. جابر عصفور يزف البشري للجماهير بأن الدولة قررت منع الفيلم من العرض .. و السبب احتواءه علي أخطاء تاريخية !
نفس الحجة السخيفة المقيتة التي لم تعد تقنع " عبيط القرية " عندما يسير في الأوحال عاريا ، و المدهش أن تصدر عن الدكتور عصفور الذي طالما صدع رؤوسنا قبل أن يكون وزيرا بأهمية التنوير و تربينا جميعا علي كتبه و مؤلفاته كأحد رموز الثقافة المصرية ، فإذا به عند أول اختبار حقيقي يرفع الراية البيضاء أمام آراء لا تزال تريد أن تفرض وجهة نظرها التراثية العربية علي هولوييود و تمنعها من تجسيد الأنبياء ، تماما كما فعلت مع فيلم " نوح " في النصف الأول من العام الحالي .
أليس من حقنا الآن أن نترحم على زمن وزير الثقافة " الفلولي " فاروق حسني – ظل بمنصبه أكثر من عشرين عاما حتى أصبح من رموز نظام مبارك – حيث رفض الرجل أن يستجيب لضغوط تمسحت برداء المؤسسة الدينية الرسمية وطالبت بمنع عرض فيلم " passion of the Christ " أو " آلام المسيح " ، فما كان منه إلا أن انحاز لمصر المستنيرة و قاوم الابتزاز الفكري باسم الدين ؟ أليس من حقنا الآن أن نعرف أن الجناح الثقافي لا يزال الضعف و الأكثر ارتعاشا في أجنحة الدولة المصرية ؟
(2)
يعرف مسئولو وزارة الثقافة - و الرقابة تحديدا – أن المنع لم يعد يثير سوي السخرية و الشفقة في عصر السماوات المفتوحة و الإعلام الحر ، وصحيح أن الفيلم يحتوي علي أخطاء بل و " خطايا " تاريخية فادحة ، غير أن الحل هو أن تعرض العمل و تثير نقاشا حوله يفند أخطاءه بالتفصيل عبر النقاد المتخصصين و الباحثين التاريخيين بل و علماء الدين . ولقد علمتنا التجارب أن هذه النوعية من المعالجات الهوليوودية لقضايا الأنبياء و التاريخ غاليا ما تتسم بالسطحية و الأخطاء الساذجة و التلفيق التاريخي بحثا عن " خلطة سينمائية " مثيرة سهلة التسويق ، مع الخضوع لبعض المجاملات التاريخية لأبناء عمومتنا من اليهود !
(3)
الشاهد هنا انك بالمنع تضخم التفاهة و تعطي عمقا مزعوما للسطحية و تمنح العمل الممنوع دعاية بالملايين في عصر الانترنت و القرصنة و بالمصري " تخلي اللي مسمعش يسمع " . الأخطر انك تمارس وصاية مقيتة علي المصريين بافتراضك أن عدة تلفيقات تاريخية ساذجة سوف تجعلهم يكفرون بفرعونيتهم أو يتشككون في معتقداتهم ....
و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم