الفلسطينيون بين الفيتو الحاسم والاعتراف الباهت
الفلسطينيون بين الفيتو الحاسم والاعتراف الباهتالفلسطينيون بين الفيتو الحاسم والاعتراف الباهت

الفلسطينيون بين الفيتو الحاسم والاعتراف الباهت

يشعر الكثير من الفلسطينيين، أن لجوء السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة لاستصدار قرار ينهي الاحتلال الإسرائيلي الذي " بدأ عام 1967 " بسقف زمني مدته عامان، ليس أكثر من تقطيع وقت، أو أنه في أحسن الأحوال، محاولة لملء الفراغ الذي خلفه توقف المفاوضات الماروثونية في الضفة الغربية، وتغطية الأزمة الداخلية التي تعيشها السلطة الفلسطينية، أو أنه محاولة لتبرير العجز إزاء المراوحة المرهقة في غزة، بين مقاومة غير ممكنة، وحصار لا ينتهي.

في كل الأحوال ، هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السلطة وضع جداول زمنية لإعلان الاستقلال الفلسطيني وإنهاء الإحتلال، فمنذ الإعلان الإعلامي الشهير الذي أطلقه الرئيس الراحل ياسر عرفات في الجزائر في نوفمبر من عام 1988 عن قيام دولة فلسطين، ، تواترت المواعيد، وتكاثرت الوعود ، خاصة تلك التي تلت اتفاقيات أوسلو، وما انبثق عنها من اتفاقيات تكميلية أو تفصيلية أو توضيحية، أو تلك الاتفاقيات، التي تعززت بالدور المكوكي الذي قامت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ تبني واشنطن حل الدولتين، وبعد أن أصبح هذا الحل هو التيمة لكل جولة من جولات التفاوض التي احتكرت واشنطن رعايتها، وحددت مساراتها.

التحرك الفلسطيني الجديد المدعوم عربيا، يواجه تحديا، ويملك فرصة. أما التحدي فهو معروف ومجرب، ويتمثل في الفيتو الأمريكي المشرع على الدوام لصالح إسرائيل ، أما الفرصة فهي ، فتح باب الأمم المتحدة "القديم" للمفاوض الفلسطيني الذي وجد نفسه لسنوات طويلة، أسير مفاوضات ثنائية، لا تفضي إلى شيء ولا تصل إلى نتيجه، أو ممنوعا – بذريعة عدم الإضرار بجو التفاوض- من الاستنجاد بالأمم المتحدة لمقاومة التعنت الإسرائيلي، أو الممالأة الأمريكية.

الفرصة التي توفرها الأمم المتحدة للسلطة الفلسطينة قد تكون محدودة، والنتائج التي يمكن أن تحققها هذه الخطوة، قد تكون رمزية، لكنها في ظل المعطيات المحيطة بالصراع مع إسرائيل هي الخيار الممكن، أو المتاح. وهي في أسوأ الظروف أفضل من مسيرة التفاوض الطويلة المرهقة، التي كبلت الفلسطينيين بقيود، سلبتهم حقهم في مقاومة الاحتلال، وأعفت إسرائيل من التزامات قانونية ومسؤوليات أخلاقية مفروضة عليها باعتبارها سلطة احتلال. كما أن اللجوء إلى الأمم المتحدة من جديد، هو خروج من حلقة التفاوض المفرغة، التي عمقت مشاعر الإحباط الفلسطيني، و وفرت ستارا لممارسات كرست الاحتلال، وفاقمت آثاره.

إسرائيل تدرك أن العودة للامم المتحدة تعني مواجهة استحقاقات لا تريد دفعها، وهي تعلم أن الفيتو الأمريكي بقدر ما هو مفيد وضروري للخروج من مأزق التصويت في الأمم المتحدة، هو خيار محرج لواشنطن في مواجهة حلفائها الذين وضعوا في يدها كل أوراق التفاوض، لكنها تعلم أن أي قرار لتلافي ذلك الحرج، يربك خطط الاستيطان الجارية في الأراضي المحتلة، ويعقد حساباتها السياسية. ولذلك فإن إسرائيل تحاول عرقلة المسعى قبل أن يصل محطته الأخيرة، وقبل أن يعرض للتصويت.

المعركة الدبلوماسية التي أراد الفلسطينيون خوضها في مجلس الأمن يبدو أن حسمها سيتم قبل موعد التصويت. ففي محاولة للإفلات من الفيتو الأمريكي، راهنت السلطة على الأوروبيين، الذين تسابقوا للاعتراف برلمانيا بالدولة الفلسطينية. لكن هذا الاعتراف، الذي بدا للبعض مفاجئا وواعدا، ليس أكثر من لفتة رمزية، وقد لا يعني بالضرورة، أن الأوربيين قد حسموا موقفهم من الطلب الفلسطيني المقدم للأمم المتحدة.

فهناك مخاوف حقيقية من أن يطالب الأوربيون بتأجيل التصويت في الأمم المتحدة أو تعديل الصياغة المقدمة لمجلس الأمن. والتأجيل بالرغم من مخاطره السياسية، وتأثيره على مكانة السلطة الفلسطينية ودورها في الشارع، يبدو أخف ضررا من التعديل الذي يطرحه الأوربيون.

فحسبما رشح من معلومات فإن التعديل الذي تقترحه فرنسا نيابة عن المجموعة الأوروبية، يفرغ القرار من مضمونه، لأنه يتحدث عن تحديد سقف زمني للمفاوضات، وليس سقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال كما يريد الفلسطينيون. وهذه الصياغة ليست جديدة في مضمونها، فالراعي الأمريكي الذي يملك أوراق ضغط أكبر، سبق له أن حدد سقفا لللتفاوض ، لكن الموعد الذي حددته الإدارة الأمريكية انتهى دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى أي تغيير في المواقف السياسية، والتوجهات الاستيطانية الإسرائيلية .

الفلسطينيون يغامرون إن هم وافقوا على التأجيل، ويغامرون أكثر إن هم وافقوا على صيغة باهتة تصدر عن مجلس الأمن، فمثل هذه الصيغة يمكن أن تكون "كارت بلانش" دولي لإسرائيل للاستمرار في سياسة التمدد الاستيطاني، بحيث يصبح القرار الدولي بتحديد أجل للمفاوضات، إشارة البدء للمعركة الحاسمة في السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، والتي لا تستهدف هذه المرة هضم ما تم قضمه من الأراضي الفلسطينية، بل فرض أمر واقع في المفاوضات لا يمكن تجاوزه، لا من الناحية السياسية فقط بل من الناحية العملية أيضا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com