مولد سيدي الملحد!
محمد بركة
(1)
رحم الله أيام كان الإلحاد معركة فكرية تقارع الحجة فيها بالحجة ويفند فيها الدليل بالدليل ، فإذا به يصبح موضة لحفنة من الشباب العاطل الذي لا يعرف ماذا يفعل في سهراته الطويلة حتى مطلع الفجر علي مقاهي وسط القاهرة .. !
رحم الله أياما كان الإلحاد فيه أرقا وجوديا يتم احتواءه بتسامح العلماء فإذا به يصبح موضة يبحث عنها مراهقون مدمنون علي السوشال ميديا وموضوع مليء بالبهارات و التوابل تحتفي به فضائيات تخشي هروب مشاهديها من برامجها الرتيبة وضيوفها المكررين .
(2)
في عام 1937 ، كتب العالم المصري الجليل الدكتور احمد زكي أبو شادي رسالة علمية عقائدية حول وحدة الوجود حملت عنوان " عقيدة الإلوهية " ، فرد عليه الدكتور إسماعيل أدهم بكتيب صغير لا تزيد صفحاته عن ال 17 صفحة بعنوان " لماذا أنا ملحد ؟ " معتمدا علي نظرية النشوء و الارتقاء لداروين ، فرد عليه الدكتور أبو شادي برسالة اسمها " لماذا أنا مؤمن ؟ " .
وعقب عليهما معا الشيخ مصطفي صبري من علماء الدين في تركيا و الذي هرب من بطش الأستانة إلي أحضان القاهرة . وقتها لم تكن مصر خائفة من شيء ما ، متشنجة ، متوترة .
نشرت الصحافة جوانب المعركة بهدوء باعتبارها سجالا فكريا راقيا بين زمرة من أهل العلم و الاختصاص . لم يطالب احد بتكفير الدكتور ادهم أو ملاحقته بقضايا حسبة ولم يشهر احد سلاح التخوين في وجه الدكتور أبو شادي .
(3)
الآن صار الإلحاد " سبوبة " تسترزق منها فضائيات فقدت بريقها .. ووجبة شهية علي مائدة باردة لبرامج التوك شو ! يصرخ المذيع من دول : انقدونا ...الإلحاد يهدد بلد الأزهر !
وحين يشعر بتفاهة وكذب ادعاءاته يحاول أن يعطي الأمر بعد سياسيا في محاولة فاشلة لاكتساب المصداقية قائلا : تحالف داعش و الإخوان افقد شبابنا إيمانه و فطرته !
ورغم انه لا توجد أرقام موثقة أو أعداد تقريبية عن عدد الملحدين في مصر ، إلا انك تتابع باستغراب شديد علماء من الأزهر وكهنة من الكنيسة ينجرفون مع التيار و يتحمسون لفكرة عمل " مناظرات " مع شباب تافه يدعي انه ملحد وهو لم يقرأ كتابا في حياته وكل معلوماته عن كلمة الإلحاد جروب مفتوح على الفيس بوك بعنوان " ملحد و افتخر " و مبلغ ألف جنيه يتقاضاها من إدارة القناة نظير مشاركته في الحلقة !