المصالحات المجتمعية المستحيلة
المصالحات المجتمعية المستحيلةالمصالحات المجتمعية المستحيلة

المصالحات المجتمعية المستحيلة

حافظ البرغوثي

لعل من أسوأ افرازات ما يحدث في بعض البلدان العربية منذ إنطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربي هو انتشار وباء استسهال القتل. فلم يعد غريبا أن نشهد حالات قتل فردية وجماعية بدم بارد، والأسوأ هو انخراط نساء في القتل كما حدث في مصر عندما أقدمت متظاهرة إخوانية على توجيه أول طعنة لسائق سيارة أجرة أراد عبور الشارع أثناء مسيرة إخوانية خرجت من أحد المساجد.. أدوا الصلاة ثم ذبحوه بدم بارد.. هكذا تنشأ ثقافة همجية لادينية شعارها( دعني أدخل به الجنة).

وقد روى شاب من غزة كيف أنه أمضى 11 سنة في السجن الاسرائيلي ولما خرج كانت حماس استولت على السلطة منذ أيام، وبينما كان يمضي ليلته الأولى خارج السجن والناس يهنئونه على الحرية تلقى طلبا من سلطة حماس لمراجعة أحد مراكزها الأمنية، وتوجه صبيحة اليوم التالي إلى المركز فإذ بهم يغطون رأسه وينقلونه إلى أحد المساجد، ولما رفع الغطاء عن رأسه شاهد أحد قادة حماس فأبلغه أنه لا يعلم شيئا عما يحدث وأنه خرج لتوه من السجن، فأمره الرجل بالصمت، وبينما كانوا يعيدون الغطاء على رأسه شاهد يد الرجل تكتب على ورقة: أدخلوا به الجنة. هنا طار صوابه خاصة عندما سمع من يعتقلوه يتشاجرون حول من يدخل به الجنة، وكل واحد منهم يريد هذا الامتياز، ففر محاولا الهرب والنجاة لأنه هالك لا محالة وتلقى صليات رصاص وسقط أرضا ولم يستيقظ إلا من مستشفى إسرائيلي، حيث كان ذووه ذهبوا لاستلام جثته من مشفى في غزة فوجدوه ينبض وهربوه كميت من المستشفى، ثم نقل إلى مشفى إسرائيلي حيث بترت ساقاه ومن ثم نقل إلى رام الله. هذا المصاب لا يغفر ولا يريد أن يغفر، فما بالك بمئات الألوف ممن سقطوا غدرا في سوريا وليبيا وغيرها، فآفة المجتمعات الآن هي استسهال فتاوي القتل وسفك الدماء، ما يجعل المصالحات المجتمعية صعبة جدا بل أن المصالحة المجتمعية في غزة هي العقبة الكأداء أمام المصالحة وحواراته المختلفة إذ ثمة المئات يطاليون بدم ابنائهم الذين قتلوا غدرا، فمن قتل دون وجه حق أنى لذويه أن يسامحوا، إلا إذا كانوا ذوي إيمان راسخ بثواب الدنيا وعقاب الآخرة فالله يمهل ولا يهمل.

أسوق هذا المثال لتبيين كيف أن القتل ما زال قائما في ليبيا والعراق وسوريا واليمن ومصر كانتقام بين طرف أو جماعة وأخرى، لأن استسهال القتل بات أمرا شائعا ولم تعد النفس محرمة ولم يعد القتل طريقا إلى التهلكة لمن يمارسه بل طريقا نحو الجنة والعياذ بالله وفقا لفتاوى القتل التي سيعاقبون عليها بامره تعالى. ومن خرج عن السياق وأفتى بحرمة النفس اعتبر خارجا عن الدين ولا نعرف عن أي دين يتحدثون.

لقد ابتليت شعوب كثيرة بالحروب الأهلية لكنها بعد أن وضعت الحرب أوزارها نجحت في تجاوز الآثار السلبية، إلا أننا في حالتنا العربية الصقنا القتل بالدين وهذه كبيرة من الكبائر، فالدين لم يشرع القتل ولم يمنح أحدا تفويضا بالقتل العمد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com