البشير يعلق الجرس
البشير يعلق الجرسالبشير يعلق الجرس

البشير يعلق الجرس

تفتح زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لدمشق، البابَ أمام التكهُّنات بقرب عودة الدفء للعلاقات السورية العربية. ومع أن البشير لا يمثل بالمعيار السياسي، اتجاهًا وازنًا في تحديد مستقبل العلاقات مع سوريا، إلا أن الزيارة تظل خطوة لافتة، ومؤشرًا يمكن الاستدلال به على مسار المصالحة العربية مع النظام السوري.

وباستثناء الرمزية التي يمثلها البشير كرئيس دولة عربية كبيرة، فإن زيارته لدمشق، لم تكن هي الخطوة الأولى في مسيرة دمشق لاستعادة مكانها في الصف العربي.

فمن تونس التي تستضيف القمَّة العربية في مارس المقبل، كانت الإرهاصات الأولى للدعوة إلى مصالحة مع سوريا، واضحة في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي لـ"إرم نيوز" عندما أكد أهمية الدور الذي تلعبه سوريا في العمل العربي المشترك، وأهمية استعادة دورها في النظام العربي. وكانت تلك التصريحات المبكرة – في أكتوبر الماضي – استهلالًا لمحادثاته التي أجراها في أكثر من عاصمة عربية تحضيرًا للقمَّة المقبلة، والتي كان من أبرز موضوعاتها استعادة سوريا موقعها في المنظومة العربية.

قبل ذلك تواترت أنباء عن اتصالات سريّة وأخرى علنية بين دمشق والعديد من الدول العربية، فضلًا عن تحضيرات عملية لبعض السفارات الخليجية لإعادة فتح أبوابها في دمشق، وهو ما لاقى ترحيبًا واضحًا لدى الأوساط الرسمية السورية، بشكل يظهر لهفة دمشق على استعادة مكانها في العمل العربي، وتعويلها على الدول العربية في أيّ برنامج لإعادة الإعمار، وتأهيل البنى التحتية وإعادة استيعاب مَن هجرتهم الحرب .

بعدها أعيدَ فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا في خطوة تعيد شريان الحياة لحركة النقل والربط التجاري بين سوريا من جهة وكل من لبنان والأردن من جهة أخرى، مع ما يعنيه ذلك مستقبلًا على صعيد الربط بين سوريا ودول الخليج العربية.

وبين هذا وذاك تركت نجاحات النظام السوري في دحر المجموعات الإرهابية وفي استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، أصداءً واضحةً ظهرت في لهجة التفاؤل في أروقة الدبلوماسة العربية.

هذه الخطوات رغم أهميتها تظل رمزية وتحتاج حتى تكتسب قوتها العملية، إلى خطوات مقابلة من جانب دمشق . وأولى هذه الخطوات ألا يتعامل النظام السوري مع اليد العربية الممدودة له على أنها ثمرة لما يصفه بالإنجاز العسكري الذي تحقق على صعيد مواجهة الإرهاب، أو نجاح سياسي يضيفه إلى رصيد نجاحاته العسكرية.

فالدول العربية التي قاطعت النظام السوري لم تقاطعه انتصارًا للقوى الإرهابية والفصائل المتطرفة، وإنما لمواجهة تحالفاته الإقليمية والدولية التي أدخلت سوريا في خصومة مع الكثير من الدول العربية، بسبب تعارض تلك التحالفات مع المصلحة العربية، وتهديدها للأمن القومي.

اليوم تتقاطع مصالح النظام السوري مع مصالح الدول العربية في بعض المفاصل، فيما تتضارب في مفاصل أخرى . فهناك تقاطع مصالح فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا المتحفزة للتدخل بأشكال شتى في شؤون المنطقة، ومنها الشأن السوري، وهناك من جانب آخر تضارب كبير في أسلوب المقاربة مع إيران التي لا تخفي محاولاتها من أجل الهيمنة العسكرية، والتأثير الأيديولوجي على المنطقة .

وبين تقاطع المصالح من جانب وتضاربها من جانب آخر؛ يبدو أن هناك فسحة في المجال أمام مصالحة مع النظام في دمشق، ضمن شروط تحترم فيها دمشق تحفظات الدول العربية وحساسيتها من الدور الإيراني في سوريا، مقابل إسهام الدول العربية في استعادة الأمن والاستقرار في سوريا، والمساهمة في إعادة الإعمار بالشكل الذي يعزّز هذا الأمن وذاك الاستقرار .

المصالحة إن حدثت لن تكون سهلة فقد جرت خلال السنوات الماضية أحداث كثيرة تحتاج إلى كثير من الجهد لاحتواء آثارها، لكن المؤكد أن الدول العربية وخاصة دول الخليج لن تقبل ـــ كشرط لهذه المصالحة ـــ بأن تدفع بشكل مباشر أو غير مباشر، ثمنًا سياسيًّا لانتصار عسكري ساهمت فيه إيران؛ لأن ذلك معناه إضفاء الشرعية، أو إعلان القبول بالدور الإيراني، والذي يتعارض بالتأكيد مع مصالح العديد من الدول العربية، إنْ لم يكن كلها.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com