من"الكرنك" إلى"1984 "
من"الكرنك" إلى"1984 "من"الكرنك" إلى"1984 "

من"الكرنك" إلى"1984 "

يوسف ضمرة

خبر اعتقال شاب مصري بسبب رواية يحملها، ملأ الدنيا وشغل الناس. فقد كتب الكثيرون عنه، بعضهم بسخرية، تنسجم مع تلك السخرية التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني أنه أصبح لهذه المواقع العفوية، تأثير بارز وملموس على الكتابة الصحافية العربية، والأدبية ربما بشكل أقل.



الرواية معروفة للكتاب والمثقفين وقراء الأدب، وربما لقسم كبير من السياسيين. وهي رواية جورج أورويل 1984 التي يتنبأ فيها بمستقبل البشرية حين كتبها بعد نهاية الحرب الكونية الثانية في العام 1948 . وقد يكون مفيدا التنبيه إلى المفارقة في عنوان الرواية وتاريخ كتابتها!


من ناحيتي تذكرت مشهدا سينمائيا من فيلم"الكرنك" المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ بالاسم ذاته. فالمحقق يسأل الشاب اليساري المعتقل عن سبب وجود كتاب بعينه في منزله، فيجيبه الشاب ببراءة: اشتريته عن الرصيف، فهو موجود في المكتبات كلها. فيجيبه المحقق: وإذا كان على الرصيف، فهل هذا يعني أن تشتريه؟


يحيلني هذا المشهد، والموقف الجديد المتعلق باعتقال شاب بسبب رواية بيعت منها في مصر آلاف النسخ إن لم يكن أكثر؛ يحيلني إلى المثل الشعبي الذي نعرفه جيدا" صحيح لا تقسمي، ومقسوم لا تأكلي، وكلي حتى تشبعي"


ما هي مشكلة الرواية؟ ولماذا يُعتقل شاب على حيازته رواية؟


في روايته/ سيرته الذاتية" الأقدام العارية" يصف الكاتب طاهر عبد الحكيم فترة اعتقاله في مصر نهاية الخمسينات وبداية الستينات كيساري أو شيوعي، ويلفت الانتباه إلى ما لفت انتباهه آنذاك، من حيث شدة التعذيب الذي يقع على المعتقلين ممن يضعون نظارات طبية على عيونهم. فقد سمع بعضَ الضباط وهم يتحدثون عن هؤلاء"العميان" بأنهم أصل البلاء بسبب ما يقرأونه ويملأون به رؤوس الشباب.


كانت رواية الكرنك، ومن ثَم الفيلم، ردا على هزيمة حزيران عام 1967 ، حيث يشير الكاتب إلى أن بنية السلطة المتخلفة، لن تكون قادرة على محاربة العدو، فما بالك بالانتصار عليه؟ كان ذلك قبل 47 سنة مضت. جرت مياه كثيرة تحت الجسر مذاك، وتغير العالم كله، فانهار جدار برلين الأسطوري، وتفكك الاتحاد السوفييتي، وظهرت دول جديدة وأقاليم جديدة. نشبت حروب جديدة وانطلقت غزوات جديدة، وتطورت وسائل الاتصال إلى الحد الذي يجعل الإنسان قادرا على قراءة ما يشاء تقريبا. ورغم ذلك، والأنكى أيضا أنه بعد ثورة شعبية مليونية، يأتي مخبر ليعتقل شابا بسبب حيازته رواية. هو المضحك المبكي حقا. فبينما تنتشر الأسلحة في الشوارع العربية، وتباع المخدرات في أسواقنا بشكل لافت، وباعتراف الأجهزة الرسمية التي تعلن يوميا القبض على شبكة أو شحنة مهيأة للتوزيع أو التصدير.


كنا نتندر فيما بيننا على الشيخ يوسف البدري الذي تفرغ للكتاب والشعراء المصريين مع مطلع الألفية الثالثة. فقد رفع دعاوى عدة ضد كتاب وشعراء مثل أحمد عبد المعطي حجازي وحلمي سالم وسيد القمني وآخرين، بحسب قانون الحسبة الذي يجيز له ذلك. كانت تلك القضايا مثار سخرية حقا، خصوصا أنها انتقلت إلى بلدان عربية أخرى كالأردن ولبنان، حيث تعرض مارسيل خليفة إلى مضايقة قضائية أيضا. أما أن نعود إلى الخمسينات والستينات، ونعتقل شخصا بسبب حيازته رواية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


سلطات عربية تطالب أمريكا والناتو بحمايتها، وبإرسال جيوش إلى أراضيها، بينما ترى الجريمة في رواية بيد مواطن! أي عبث هذا؟ وأي انفصام "مطوَّر" هذا؟ تبدو مقولة"الإنسان أغلى ما نملك" صحيحة فيما يخص الملكية.. فقط لا غير!


هل نستيقظ ذات يوم، لنجد أن حظر التجوال مفروض في بلد عربي ما، بسبب افتتاحية صحيفة، أو قصيدة جرى تفسيرها بشكل مزاجي؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com