البعد الاجتماعي لمقتل خاشقجي
البعد الاجتماعي لمقتل خاشقجيالبعد الاجتماعي لمقتل خاشقجي

البعد الاجتماعي لمقتل خاشقجي

بعيدًا عن التفاصيل المعروفة، وغير المعروفة عن كيفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والدوافع وراء هذه الجريمة، وبغض النظر عن المسؤولية الجنائية والأدبية التي قد تنتج عنها، فإن من الواضح أنها تشكل بالمعيار السياسي حدثًا مفصليًا، من الصعب تجاهله، أو تجاوزه بسهولة.

السعودية ولا شك هي من تتحمل العبء الأكبر من تداعيات هذا الحادث ونتائجه. فالضحية مواطن سعودي، ومسرح الحدث أرض سعودية بالمقياس القانوني والدبلوماسي، والجهات التي تعمل على كشف ملابساته وتحديد أبعاده وخفاياه، سعودية بالأساس، رغم التحقيقات الجارية في تركيا، والثمن الذي قد يُدفع مقابل ذلك كله تتحمله السعودية من سمعتها ودورها ومكانتها.

لكن في غمرة الحديث عن البعدين الإنساني والسياسي لقتل جمال خاشقجي، يغيب عن المشهد، أي تحليل جادٍ للبعد الاجتماعي الذي "ربما"، أو "يمكن" أن يفسر الطريقة التي قُتل بها الرجل، والنهاية التي انتهى إليها. ففي الدول النامية ومنها الدول العربية، يعمل بعض من يتقلدون مناصب تنفيذية، على إرضاء المسؤول أو المرجع الأعلى، بشكل مبالغ فيه لدرجة أنهم يكونون ملكيين أكثر من الملك، فيتجاوزون في بعض الأحيان حدود الصلاحيات والسلطات الممنوحة لهم، ظنًّا منهم أن ذلك يُرضي رؤساءهم، ويزيد من حظوتهم، وحظوظهم، ويُعلي من شأنهم.

هذه الثقافة موجودة في عالمنا العربي وعلى كل صعيد، وتكاد تكون متجذرةً في بعض ما تناقله التاريخ العربي والإسلامي من وقائع وأحداث، كان فيها القادة الميدانيون يتجاوزون في تنفيذ بعض التوجيهات والأوامر بأكثر مما هو مطلوب، بأسلوب غير مقبول عرفًا أو قانونًا.

ولعلّنا نجد في التجاوزات التي تقع من ضباط شرطة ورجال أمن في بعض الدول العربية، ما يعزز "التفسير الاجتماعي" في توصيف وتحليل بعض الجرائم، وسنجد في موروثنا الشعبي الكثير من الأمثال والمأثورات التي تقدم الدليل على أن المسألة في جانب منها جزء من  ثقافة مجتمعية، وجزء من رواسبنا الثقافية، كقول بعض المتزلفين لرؤسائهم "أحلام سعادتك أوامر" أو "خربشات سيادتك خطط نستنير بها".

في السعودية كما في كثير من الدول العربية، ودول العالم الثالث، نوعية من هؤلاء الذين نجدهم في كثير من مفاصل حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو حتى الدينية حيث تُفسَّر بعض النصوص على مقاس وهوى هذا المسؤول أو ذاك، حتى لو لم يكن التفسير مقنعًا أو مطلوبًا .

على أن الأثر الذي تتركه الظاهرة عل حياتنا اليومية، يصبح مدمرًا إذا لم يكن المرؤسون على قدر المسؤولية التي يتحملونها، أو أنهم يتعاملون مع المنصب، كتحدٍ ذاتي، أو جزء مكمّل للسلطة والهيبة  الشخصية. ويزداد هذا التأثير إذا كانت المسألة ترتبط بأمن الناس وحياتهم، وتتعلق بسلطات ودور أشخاص أُوكلت لهم مهمة حفظ الأمن والسهر عليه.

الاعتراف بالمسؤولية الأدبية عن مقتل خاشقجي، وفتح تحقيق جنائي وقانوني، ليس بديلًا عن مراجعة الكيفية التي يتم بها تفويض السلطات والصلاحيات لأشخاص نتوسم فيهم الكفاءة وحسن التصرف، أونعتبرهم عونًا في تحمل المسؤولية، حتى لانُفاجأ بأنهم أول من يتجاوز عليها ويسيء لها، وهنا يجب أن تكون مرجعية التقييم ليست مدى حماسهم لخدمة رؤسائهم بل مدى التزامهم بواجبات وظيفتهم وبالضوابط والمعايير القانونية والأخلاقية التي تحكمها.

وفي انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه السلطات السعودية مع المشتبه فيهم بقتل الخاشقجي، فإننا نقدم ما أصاب ثقافتنا وموروثنا بشأن حدود المسؤولية من تشويه، كأحد أبرز من يتحمل وزر هذه الجريمة، التي ربما تعيد –رغم ما تبعثه من أسى– النظر في كثير من المفاهيم التي جعلت من العمل العام ميدانًا للمتزلّفين ومغنمًا للمتنفّعين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com